الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، سبتمبر 28، 2024

الاحتفال بالحق في المعرفة: الوصول إلى المعلومات في المغرب والعالم العربي : عبده حقي


إن اليوم العالمي للوصول الشامل إلى المعلومات، الذي يتم الاحتفال به في 28 سبتمبر من كل عام، يمثل لحظة حاسمة في النضال العالمي من أجل الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد. وقد أنشأته اليونسكو في عام 2015، ويؤكد هذا اليوم على أهمية الحق في الوصول إلى المعلومات كحق أساسي من حقوق الإنسان. إن الوصول إلى المعلومات يمكّن المواطنين، ويمكّنهم من المشاركة المستنيرة في العمليات الديمقراطية، ويعزز الشفافية، ويضمن مساءلة الحكومات والمؤسسات العامة عن أفعالها.

في حين أن الوصول إلى المعلومات أمر مهم عالميًا، فإن أهميته في العالم العربي وخاصة في المغرب ذات أهمية فريدة من نوعها. حيث تكافح العديد من البلدان العربية مع التحولات السياسية وإصلاحات الحكم والطلب العام المتزايد على الشفافية والمساءلة. ومع ذلك، فإن التقدم الذي أحرزته المنطقة في ضمان الوصول إلى المعلومات مختلط، حيث حققت بعض البلدان خطوات كبيرة بينما لا تزال بلدان أخرى تواجه تحديات كبيرة. يستكشف هذا المقال السياق الأوسع للوصول إلى المعلومات في العالم العربي، ويركز على تجربة المغرب، ويسلط الضوء على أهمية الاحتفال بهذا اليوم في المنطقة.

وعلى الصعيد العالمي، فإن الحق في الوصول إلى المعلومات مكرس في العديد من القوانين الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ويُعترف بأن الوصول إلى المعلومات ضروري لتحقيق العديد من الحقوق الأخرى، مثل حرية التعبير والمشاركة في الحياة العامة. كما أنه أمر بالغ الأهمية لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وخاصة الهدف 16، الذي يهدف إلى "تعزيز المجتمعات السلمية والشاملة"، بما في ذلك ضمان وصول الجمهور إلى المعلومات.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أهميته، فإن تحقيق هذا الحق يختلف بشكل كبير عبر العالم. فقد نفذت البلدان ذات التقاليد الديمقراطية القوية والأطر القانونية القوية قوانين حرية المعلومات، مما يسمح للمواطنين بالوصول إلى السجلات والوثائق العامة. وعلى النقيض من ذلك، في المناطق التي يسود فيها الاستبداد أو عدم الاستقرار السياسي أو ضعف الحكم، يظل الوصول إلى المعلومات مقيدًا أو خاضعًا لسيطرة شديدة من قبل الدولة. ويقدم العالم العربي صورة معقدة، حيث تؤثر العوامل التاريخية والسياسية والثقافية على تنفيذ قوانين الوصول إلى المعلومات.

لقد شهد العالم العربي، الذي يضم 22 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحولات اجتماعية وسياسية كبيرة في العقود الأخيرة. فقد أثار الربيع العربي في عام 2011 دعوات واسعة النطاق للإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية والشفافية في جميع أنحاء المنطقة. وطالب المواطنون بمزيد من المساءلة من حكوماتهم، وأصبح الوصول إلى المعلومات عنصرا أساسيا في هذه المطالب.

ومع ذلك، كان التقدم نحو ضمان الحق في الوصول إلى المعلومات غير متكافئ في مختلف أنحاء العالم العربي. ففي حين سنت حفنة من البلدان قوانين حرية الوصول إلى المعلومات، لا تزال بلدان أخرى كثيرة تحد من الوصول العام إلى المعلومات، وغالبا باسم الأمن القومي، أو الاستقرار السياسي، أو الحفاظ على النظام العام.

التطورات الإيجابية: تبرز الأردن وتونس كرائدتين في العالم العربي. ففي أعقاب ثورتها في عام 2011، أصدرت تونس قانونًا تقدميًا بشأن الوصول إلى المعلومات في عام 2016، والذي يُعتبر أحد أكثر القوانين صرامة في المنطقة. ويضمن القانون حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات العامة ويفرض التزامًا قانونيًا على المؤسسات العامة بتوفير هذه المعلومات. كما أقر الأردن قانونًا بشأن الوصول إلى المعلومات في عام 2007، لتصبح بذلك أول دولة عربية تفعل ذلك. ورغم أن القانون الأردني غير كامل، إلا أنه يمثل خطوة مهمة نحو الشفافية والمساءلة.

التحديات: على النقيض من ذلك، تواصل العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، العمل في إطار من القيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات. وغالبًا ما تعطي هذه الدول الأولوية لأمن الدولة والسيطرة على التدفق الحر للمعلومات. وفي هذه البلدان، غالبًا ما تُعتبر المعلومات التي تحتفظ بها الحكومة حساسة، ويتم تثبيط الطلبات العامة للوصول إليها أو رفضها تمامًا.

جهود المجتمع المدني: في مختلف أنحاء العالم العربي، تلعب منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام دوراً حاسماً في الدعوة إلى الحق في الوصول إلى المعلومات. وقد دعت الصحافة الاستقصائية ووسائل التواصل الاجتماعي والحركات الشعبية بشكل متزايد إلى الشفافية والمساءلة، مما دفع الحكومات إلى إصلاح سياسات تبادل المعلومات الخاصة بها. ومع ذلك، لا يزال الصحفيون والناشطون يواجهون القيود والرقابة، وفي بعض الحالات، الاضطهاد، مما يجعل النضال من أجل الوصول إلى المعلومات مهمة صعبة.

يمثل المغرب حالة مثيرة للاهتمام في العالم العربي فيما يتعلق بالوصول إلى المعلومات. فقد أحرزت البلاد تقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، على الرغم من التحديات التي لا تزال قائمة في تحقيق هذا الحق بشكل كامل.

الإطار القانوني: كانت رحلة المغرب نحو سن قانون الوصول إلى المعلومات طويلة وتميزت بإصلاحات كبيرة. في عام 2011، تم تعديل الدستور المغربي، في أعقاب الاحتجاجات الوطنية والمطالبات بمزيد من الشفافية والإصلاح الديمقراطي. كرس الفصل 27 من الدستور الجديد الحق في الوصول إلى المعلومات، حيث ينص على أن للمواطنين الحق في الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها المؤسسات العامة.

بعد سنوات من المناصرة والصياغة القانونية، أقر المغرب أول قانون له بشأن الوصول إلى المعلومات (القانون 31.13) في عام 2018، والذي دخل حيز التنفيذ في عام 2019. ويمثل هذا القانون خطوة كبيرة إلى الأمام في ضمان الشفافية والمساءلة العامة. فهو يلزم المؤسسات العامة، بما في ذلك الهيئات الحكومية والسلطات المحلية والشركات المملوكة للدولة، بتقديم المعلومات للمواطنين عند الطلب. كما ينشئ القانون هيئة إشرافية، وهي لجنة الوصول إلى المعلومات، المسؤولة عن ضمان الامتثال ومعالجة الشكاوى.

التحديات في التنفيذ: على الرغم من وجود الإطار القانوني، إلا أن التنفيذ العملي للقانون يواجه العديد من التحديات. لا تزال العديد من المؤسسات العامة في طور رقمنة سجلاتها وتطوير آليات للرد على طلبات المعلومات. هناك أيضًا حاجة إلى زيادة الوعي العام بشأن الحق في الوصول إلى المعلومات، حيث يظل العديد من المواطنين يجهلون حقوقهم بموجب القانون.

علاوة على ذلك، يتضمن القانون عدة استثناءات، خاصة فيما يتصل بالأمن القومي والدفاع والمعلومات الحكومية الحساسة، وهو ما قد يحد من فعاليته. ويزعم المنتقدون أن هذه الاستثناءات واسعة النطاق للغاية ويمكن استخدامها لرفض الطلبات المشروعة للحصول على المعلومات.

المجتمع المدني ومشاركة وسائل الإعلام: لعب المجتمع المدني المغربي دوراً محورياً في الدعوة إلى الحق في الوصول إلى المعلومات. وقد عملت العديد من المنظمات على رفع الوعي وتقديم المساعدة القانونية ومراقبة تنفيذ القانون. كما أصبحت وسائل الإعلام أيضاً لاعباً أساسياً في الاستفادة من الحق في الوصول إلى المعلومات لإجراء التحقيقات الصحفية ومحاسبة المسؤولين العموميين.

إن الاحتفال باليوم العالمي للحق في الحصول على المعلومات في العالم العربي والمغرب يشكل فرصة للتفكير في التقدم المحرز والتحديات التي تنتظرنا. كما أنه بمثابة تذكير بأن الحصول على المعلومات ليس مجرد حق فحسب، بل إنه يشكل ركيزة أساسية للحكم الديمقراطي والشفافية والمساءلة.

وفي العالم العربي، يسلط هذا اليوم الضوء على النضالات المستمرة التي يخوضها المجتمع المدني ووسائل الإعلام في الدعوة إلى الشفافية. ويسلط الضوء على أهمية تمكين المواطنين من المعرفة التي يحتاجون إليها لمحاسبة حكوماتهم. وبالنسبة لدول مثل تونس والأردن والمغرب، التي قطعت شوطا طويلا في سن قوانين الوصول إلى المعلومات، فإن هذا اليوم هو احتفال بالتقدم الذي أحرزته ودعوة إلى تعزيز الآليات التي تضمن تحقيق هذا الحق بشكل كامل.

في المغرب، يكتسب اليوم العالمي للحق في الوصول إلى المعلومات أهمية خاصة في ظل استمرار البلاد في تطوير أطرها القانونية والمؤسسية. إنها لحظة للاعتراف بجهود المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية في تعزيز الشفافية، ولكن أيضًا للاعتراف بالعمل الذي لا يزال قائمًا لضمان التنفيذ الكامل والفعال للقانون.

في نهاية المطاف، يعتبر اليوم العالمي للحق في الوصول إلى المعلومات احتفالاً بقوة المعلومات. ففي عالم حيث المعرفة هي القوة، فإن ضمان الوصول إلى المعلومات أمر ضروري لبناء مجتمعات عادلة وشفافة وخاضعة للمساءلة - سواء في العالم العربي أو خارجه.

0 التعليقات: