الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، أكتوبر 09، 2024

الآثار الإيجابية لانتخاب المغرب على رأس الأمانة العامة للمنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية : عبده حقي


في 8 أكتوبر 2024، تم انتخاب المجلس الأعلى للحسابات والرقابة المالية والمحاسبة بالمملكة المغربية رئيسًا للأمانة العامة للمنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ذات الاختصاص القضائي (جوريساي) خلال جمعيتها العامة التي عقدت في باريس. يمثل هذا الانتخاب المهم، بقيادة زينب العدوي، أول رئيس للجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة بالمغرب، لحظة محورية لكل من المغرب والمجتمع الدولي للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة. إن هذا الانتخاب المغرب لا يضع في طليعة حوكمة الرقابة المالية العالمية فحسب، بل له أيضًا آثار بعيدة المدى على سمعته القضائية ومشهد الاستثمار الأجنبي.

يعكس هذه الانتخابات اعترافا بالتزام المغرب بتعزيز نموذجه القضائي. وقد تم الاعتراف بجهود المجلس الأعلى للحسابات في المملكة في تعزيز الشفافية والمساءلة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من تحسين معايير الحوكمة. وكما ذكر الجهاز، "يعكس هذا النجاح الاعتراف بجهود المجلس لتعزيز النموذج القضائي"، مما يؤكد على أهمية ممارسات التدقيق القوية في تعزيز الثقة العامة والنزاهة المؤسسية.

ومن المرجح أن يعزز انتخاب المغرب لقيادة هيئة الرقابة المالية والإدارية سمعتها في المسائل القضائية بشكل كبير. إن وجود هيئة رقابة مالية قوية أمر ضروري لضمان إدارة الأموال العامة بفعالية وخضوع تصرفات الحكومة للتدقيق. ومن شأن هذا الدور القيادي أن يمكن المغرب من عرض تقدمه في ممارسات التدقيق والإصلاحات القضائية على منصة دولية.

إن تعزيز مكانة المغرب كدولة رائدة في مجال حوكمة التدقيق من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الثقة بين أصحاب المصلحة المحليين والدوليين فيما يتصل بالتزام المغرب بسيادة القانون والحوكمة الرشيدة. وهذا التصور بالغ الأهمية لأنه يضع المغرب كنموذج للدول الأخرى التي تسعى إلى تحقيق إصلاحات مماثلة، وخاصة في المناطق التي تسود فيها قضايا الحوكمة.

وعلاوة على ذلك، من خلال المشاركة النشطة في المناقشات العالمية حول أفضل الممارسات والمعايير الخاصة بالمراجعة، يمكن للمغرب أن يعمل على تحسين ممارساته الخاصة. ومن المرجح أن يؤدي هذا التحسين المستمر إلى إنشاء آليات إشراف أكثر فعالية داخل نظامه القضائي، وبالتالي تعزيز الفعالية القانونية الشاملة.

ومن بين أهم التداعيات المترتبة على هذه الانتخابات تأثيرها المحتمل على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. فالقضاء الذي يعمل بشكل جيد يشكل عاملاً بالغ الأهمية بالنسبة للمستثمرين عند تقييم الأسواق المحتملة. ويسعى المستثمرون إلى إيجاد بيئات تتمتع بأطر قانونية قوية وشفافة ويتم تنفيذها بكفاءة. ويؤثر دور الأجهزة الرقابية العليا في ضمان المساءلة والحد من الفساد بشكل مباشر على ثقة المستثمرين.

تشير الأبحاث إلى أن البلدان التي تتمتع بأنظمة قضائية فعّالة تميل إلى جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر. على سبيل المثال، تُظهر الدراسات أن التحسن في الكفاءة القضائية يرتبط بشكل إيجابي بزيادة تدفقات الاستثمار. ومن المرجح أن يستثمر المستثمرون رؤوس أموالهم عندما يدركون أن حقوقهم ستكون محمية بإطار قانوني فعال.

ومع تولي المغرب الآن زمام القيادة القضائية، فإنه يستطيع الاستفادة من هذا الموقف للترويج لإصلاحاته القضائية كجزء من خطة أوسع نطاقا تهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. ومن خلال إظهار الالتزام بالشفافية والمساءلة من خلال دوره القيادي، يمكن للمغرب أن يعزز مصداقيته بين المستثمرين الأجانب.

وعلاوة على ذلك، فإن استضافة مقر جوريساي قد يسهل التفاعل بشكل أكبر بين السلطات المغربية والمستثمرين الدوليين. ويمكن أن يؤدي هذا الانخراط إلى شراكات لا تجلب رأس المال فحسب، بل وأيضًا نقل التكنولوجيا والخبرة التي يمكن أن تعزز المشهد الاقتصادي المغربي.

ورغم أن هذه الانتخابات تقدم العديد من الفرص، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. وسوف تخضع فعالية القضاء المغربي للتدقيق أكثر من أي وقت مضى، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. ويتعين على الجهاز الرقابي أن يواصل إثبات قدرته على إدارة الموارد العامة بفعالية مع مكافحة الفساد.

وعلاوة على ذلك، فإن الحفاظ على ثقة المستثمرين يتطلب إجراء إصلاحات مستمرة تعالج أي أوجه قصور قائمة داخل النظام القضائي. ويتعين على الحكومة المغربية أن تضمن دعم الأطر التشريعية لهذه الجهود وأن يكون هناك التزام واضح بدعم سيادة القانون.

وفي الختام، يمثل انتخاب المجلس الأعلى للحسابات والرقابة المالية في المغرب رئيساً للهيئة القضائية إنجازاً بارزاً له آثار عميقة على سمعة القضاء في البلاد وقدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية. ومن خلال وضع نفسه كقائد في حوكمة التدقيق العالمية، لا يعزز المغرب مكانته على الساحة العالمية فحسب، بل يمهد الطريق أيضاً للنمو الاقتصادي المدفوع بثقة المستثمرين المتزايدة. وبينما يشرع المغرب في هذا الفصل الجديد، يتعين عليه أن يظل يقظاً في معالجة التحديات مع الاستفادة من الفرص التي يقدمها هذا الدور المرموق.

0 التعليقات: