تظل قضية الصحراء المغربية حجر الزاوية في عالم السياسة في شمال أفريقيا، وهي راسخة بعمق في التاريخ الجماعي والتطلعات المستقبلية للمغرب والمغرب الكبير الأوسع.
منذ منتصف القرن العشرين، كان صراع الصحراء المغربية يبدو بمثابة طريق مسدود مزمن وطويل الأمد، حيث ترسخت مواقف العديد من الجهات الفاعلة، وتحولت التحالفات الإقليمية، وحدث تفاعل مستمر بين المغرب والجزائر. وفي قلب الخطاب تكمن خطوط واضحة لما يمكن وما لا يمكن إنجازه، سواء على المستوى السياسي أو العملي. وتشكل هذه الحدود المنهج الدبلوماسي المغربي الراسخ، والذي يتجسد في المقام الأول في خطة الحكم الذاتي، مع تسليط الضوء أيضًا على الحدود الصارمة لقضايا السيادة. ويوفر تحليل هذه المقترحات الممكنة والمستحيلة نظرة ثاقبة لكل من الخيارات الدبلوماسية والمبادئ غير القابلة للتفاوض التي تشكل مستقبل المنطقة برمتها.
إن خطة الحكم الذاتي
لعام 2007، والتي اقترحت لمنح قدر كبير من الحكم الذاتي للشعب الصحراوي تحت السيادة
المغربية، تشكل جوهر المنهج المغربي في التعامل مع قضية الصحراء. وقد اعترفت بهذه
الخطة العديد من الجهات الفاعلة الدولية باعتبارها حلاً "جدياً وموثوقاً"،
وهي تمثل العرض الأول والأخير الذي تقدمه المغرب في سعيها إلى التوصل إلى حل سلمي ودائم.
وتهدف بنية الخطة إلى تحقيق التوازن بين تطلعات الصحراويين إلى الحكم الذاتي المحلي
وإصرار المغرب على السيادة. ومن خلال توفير آليات الحكم المحلي والسيطرة الاقتصادية
والحريات الثقافية، تسعى المغرب إلى تأكيد رؤيتها للوحدة مع احترام الهويات الإقليمية.
إن الميل التدريجي
للمجتمع الدولي نحو خطة الحكم الذاتي يعكس الاعتراف بمرونة المغرب في السعي إلى حل
شامل. والخطة نفسها ليست خالية من العديد من التوافقات إن لم نقل التنازلات ــ فهي
تسمح بالاعتراف بالهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للشعب الصحراوي. وبموجب النظام
المقترح، سوف يكون للصحراء المغربية فروعها التشريعية والتنفيذية والقضائية. وهذا يسمح
بالإدارة الذاتية على المستوى المحلي، في مجالات مثل التعليم، والأمن، والمبادرات الاقتصادية،
مع الحفاظ على سلطة المغرب في مجال الدفاع الوطني والسياسة الخارجية.
ولكن هذا العرض يمثل
أيضاً نقطة نهاية غير قابلة للتفاوض؛ فالحكم الذاتي هو أقصى ما يمكن للمغرب أن يصل
إليه. ويعكس التزام المغرب الثابت بهذه الخطة تصوره للصحراء باعتبارها جزءاً لا يتجزأ
من هويته الوطنية. ولقد كان موقف الدولة المغربية ثابتاً: الصحراء مغربية وستظل كذلك.
وعلى هذا فإن خطة الحكم الذاتي تبرز باعتبارها عرضاً حقيقياً للسلام وحدوداً تؤكد موقف
المغرب الثابت بشأن السيادة.
إن فكرة الاستقلال
الكامل للصحراء المغربية عن المغرب تظل نقطة خلاف مستحيلة تمامًا من وجهة نظر المغرب.
إن تاريخ مطالبة المغرب بصحرائه موثق ضمن الأرشيفات الاستعمارية وما بعد الاستعمارية،
حيث ترمز المسيرة الخضراء في عام 1975 إلى التعلق الجماعي للشعب المغربي بالمنطقة.
بالنسبة للمغرب، فإن منح الاستقلال للصحراء وهو احتمال مرفوض من شأنه أن يقوض الوحدة
الوطنية والسيادة، ويشكل سابقة سياسية خطيرة يمكن أن تعرض المطالب الإقليمية الأخرى
والاستقرار الوطني للخطر.
وبالإضافة إلى ذلك،
يواجه خيار الاستقلال تحديات جيوسياسية كبيرة. فالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية
المزعومة، التي تدعمها الجزائر وجبهة البوليساريو، تعيش حالة من وهم الاعتراف ، حيث
تدعم معظم البلدان سيادة المغرب أو على الأقل تتخذ موقفاً محايداً. ويظل الاعتراف بالصحراء
المستقلة محدوداً، ويتردد صدى نموذج الحكم الذاتي بشكل متزايد لدى الهيئات الدولية
كحل وسط. كما تثير إمكانية استقلال الصحراء المغربية مخاوف بشأن الاستقرار الإقليمي،
حيث يمكن أن تصبح الصحراء المعزولة أو المجزأة مرتعاً للجريمة المنظمة والإرهاب والاتجار
بالبشر وانعدام الأمن الاقتصادي.
ونظراً لهذه الحقائق،
فإن المغرب ينظر إلى أي أحلام نحو استقلال الصحراء ليس فقط باعتباره تهديداً مباشراً
لسلامة أراضيه وسيادته ، بل وأيضاً باعتباره عاملاً محفزاً لعدم الاستقرار في منطقة
محفوفة بالتحديات بالفعل. وعلى هذا فإن استقلال الصحراء يظل اقتراحاً غير قابل للتطبيق،
ويتحدى الحقائق التاريخية والاجتماعية والسياسية في المغرب.
وفي إطار استكشاف ما
هو ممكن، برزت فكرة إنشاء ممر للجزائر للوصول إلى المحيط الأطلسي كطريق محتمل للتعاون
الإقليمي. ورغم أن هذا الاقتراح ليس رسمياً، فإنه يتحدث عن منهج عملي من شأنه أن يعزز
العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية، وربما يخفف من حدة التوترات بين المغرب والجزائر.
ومن الممكن أن يوفر هذا الممر للجزائر إمكانية الوصول المباشر إلى أسواق المحيط الأطلسي،
والالتفاف على التحديات اللوجستية المرتبطة بطرق التجارة عبر الصحراء الكبرى. ومن الناحية
النظرية، من الممكن أن يخلق هذا الوصول حوافز اقتصادية للجزائر والمغرب لتطبيع العلاقات
وزيادة التجارة بينهما، الأمر الذي يعود بالنفع على البلدين وربما يعزز درجة من التعاون
في المغرب الكبير.
ولكن هذا الاقتراح
ليس خاليا هو أيضا من التعقيدات. فنظرا للوضع الحالي للعلاقات الدبلوماسية بين المغرب
والجزائر، فإن الثقة مفقودة. كما أن دعم الجزائر الواضح والطويل الأمد لجبهة البوليساريو
يزيد الأمور تعقيدا، لأنه يتماشى مع الاعتقاد بحق الصحراء المغربية في تقرير المصير.
وعلى الرغم من هذا، فإن اتفاق الممر قد يكون حلا عمليا لتعزيز التجارة مع احترام السيادة
المغربية على الصحراء. ويتعين إدارة مثل هذا الممر بعناية، وتحديد الحدود الوطنية بوضوح
لضمان بقاء سيادة المغرب على الصحراء دون أي شك.
وفي نهاية المطاف،
فإن أي حل لقضية الصحراء لابد وأن يعترف بسيادة المغرب على الإقليم باعتبارها مبدأ
أساسيا لا يقبل المساومة. ومن وجهة نظر المغرب، فإن السيادة على الصحراء تشكل عنصرا
جوهريا من عناصر الهوية الوطنية، وهي مضمونة من خلال أسس تاريخية وثقافية وقانونية
مشروعة. ويعكس تأييد المجتمع الدولي التدريجي لخطة الحكم الذاتي اعترافا ضمنيا بموقف
المغرب، وهو ما يؤكد أن السيادة تظل فوق أي تسوية.
ويمتد هذا المبدأ إلى
منهج المغرب في أي تعامل دبلوماسي يتعلق بالصحراء. فبالنسبة للمغرب، السيادة ليست مسألة
قابلة للنقاش - بل هي الأساس الذي ترتكز عليه جميع المناقشات والمقترحات. وينعكس هذا
الموقف في الجهود المستمرة التي يبذلها المغرب لدمج الصحراء في إطاره وأفقه الوطني،
بما في ذلك الاستثمارات في البنية التحتية الأساسية والتعليم والرعاية الصحية، بهدف
تحسين نوعية الحياة للسكان الصحراويين. كما انخرط المغرب بنشاط مع المؤسسات الدولية
لتعزيز مطالبه القانونية والدبلوماسية بالصحراء، وضمان أن أي مناقشة حول هذه المسألة
ترتكز على احترام سلامة أراضيه.
إن قضية الصحراء المغربية
تشكل مزيجا معقدا من الأبعاد التاريخية والسياسية والاستراتيجية، حيث يتبين بوضوح الخط
الفاصل بين الممكن والمستحيل. ويمثل مخطط الحكم الذاتي المغربي الحل الوحيد الممكن
في إطار السيادة المغربية، حيث يقدم منهجا متوازنا للإدارة الذاتية الصحراوية مع ضمان
الوحدة الوطنية للمغرب. وعلى النقيض من ذلك، فإن الاستقلال الكامل للصحراء هو خيار
غير قابل للتطبيق سياسيا وعمليا، لأن من شأنه أن يقوض سيادة المغرب ويشكل خطرا على
الاستقرار الإقليمي.
إن فكرة الممر الجزائري
إلى المحيط الأطلسي تطرح مساراً دقيقاً، وإن كان مؤقتاً، نحو التعاون الإقليمي، مشروطاً
باحترام المطالب الإقليمية للمغرب. وفي نهاية المطاف، تظل السيادة الأساس غير القابل
للتفاوض لموقف المغرب، مما يؤكد أن أي حل مستدام لابد أن يتم في إطار هذه المعايير.
وبالتالي، تظل قضية الصحراء المغربية مسألة حساسة ومحورية حيث يستمر الممكن والمستحيل
في تشكيل المشهد السياسي في المنطقة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق