أثار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب، أحمد التوفيق، جدلا بقوله أمام البرلمان إنه أخبر وزير الداخلية الفرنسي في لقاء سابق أن "المغرب بلد علماني".
وكشف التوفيق، في جلسة بمجلس النواب، أنه قال لوزير الداخلية الفرنسي، أثناء حديث جمعهما على هامش زيارة في الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة إلى المغرب، إن "هم (يقصد الفرنسيين) مقتنعون أن الإسلام المغربي المعتدل في صالح الجميع"، ليرد عليه الوزير الفرنسي "العلمانية تصدمكم"، وهنا أجاب التوفيق بالقول "فقلت له: لا، لأننا علمانيون".
وأوضح الوزير المغربي
رده أمام النواب أنه كان يقصد أن المغرب "يدعم حرية التدين"، مستطردا
"يمكن لأي شخص فعل ما يريده، لأنه لا إكراه في الدين".
وأثار تصريح وزير الشؤون
الإسلامية المغربي سجالا في السوشل ميديا، بين مؤيد لفكرته ومعارض لها.
إن المغرب يشكل حالة
فريدة في العالم العربي والإسلامي، حيث يشكل التفاعل بين التقاليد والدين والسلطة الحديث
نسيجاً معقداً. ويواجه مفهوم العلمانية، بجذوره في فصل الدين عن الدولة، تحديات فريدة
في المغرب بسبب الهوية الدينية العميقة للبلاد ودورها كجسر بين أفريقيا وأوروبا والعالم
العربي. ولا تدور المناقشات حول العلمانية في المغرب حول السلطة فحسب، بل وأيضاً حول
الهوية الوطنية والتماسك المجتمعي والنضال من أجل تحقيق التوازن بين الحداثة والتقاليد
الراسخة.
إن العلمانية، كما
يفهمها الفكر الغربي، تعني في كثير من الأحيان الفصل الواضح بين مؤسسات الدولة والنفوذ
الديني. ولكن في المغرب، هناك تشابك عميق بين الدين والسلطة. فالملكية المغربية تستمد
شرعيتها من دورها كـ"أمير المؤمنين"، وهو اللقب الذي ترسخت جذوره في التقاليد
الإسلامية. وهذا الدور يضع الملك في موقع الزعيم السياسي والسلطة الدينية في الوقت
نفسه، الأمر الذي يخلق نظاماً يرتبط فيه الدين بالدولة ارتباطاً جوهرياً. ولقد لعبت
هذه البنية دوراً فعالاً في الحفاظ على الاستقرار في منطقة تتسم غالباً بالاضطرابات
السياسية، ولكنها تطرح أيضاً تحديات عندما يتعلق الأمر بمخاطبة المطالبات بالإصلاحات
العلمانية من قِبَل قطاعات من السكان.
إن أحد التحديات الأساسية
التي تواجه العلمانية في المغرب يكمن في التوفيق بين التطلعات الحديثة للبلاد وأسسها
الدينية. لقد قطع المغرب خطوات كبيرة في التحديث، وخاصة تحت قيادة الملك محمد السادس.
وتعكس الإصلاحات في مجالات مثل حقوق المرأة، وقانون الأسرة، والتحرير الاقتصادي التزاماً
بالتقدم والتوافق مع المعايير العالمية. ومع ذلك، غالباً ما تواجه هذه الإصلاحات مقاومة
من الفصائل المحافظة داخل المجتمع التي تنظر إليها باعتبارها تهديداً للقيم الإسلامية.
وتسلط هذه المقاومة الضوء على التوتر بين التيارات الحداثية والتقليدية التي تشكل المجتمع
المغربي.
إن الدستور المغربي،
الذي تم تعديله في عام 2011 في أعقاب الربيع العربي، يوضح المنهج الدقيق الذي تتبناه
البلاد تجاه العلمانية. ففي حين يعترف الدستور بالإسلام باعتباره دين الدولة، فإنه
يضمن أيضاً حرية الفكر والتعبير والعبادة. وتعكس هذه الثنائية محاولة لاستيعاب المشهد
الثقافي والديني المتنوع في المغرب. ومع ذلك، فإن التنفيذ العملي لهذه الضمانات الدستورية
يكشف غالباً عن تناقضات. على سبيل المثال، في حين تعمل الدولة على تعزيز التسامح الديني
والحوار بين الأديان، تظل الردة والتجديف من القضايا الحساسة، مع عواقب قانونية واجتماعية
لأولئك الذين يتحدون المعايير الدينية السائدة.
إن التناقضات بين العلمانية
والسلطة الدينية في المغرب تزداد تعقيداً بسبب الدور الذي يلعبه الإسلام السياسي. فقد
لعبت الأحزاب السياسية الإسلامية، مثل حزب العدالة والتنمية، دوراً كبيراً في تشكيل
المشهد السياسي في المغرب. وكثيراً ما تدعو هذه الأحزاب إلى سياسات متجذرة في القيم
الإسلامية، وتجتذب شرائح محافظة من السكان. وفي الوقت نفسه، تعمل هذه الأحزاب في إطار
نظام سياسي يتبنى التعددية والسلطة الحديث. وتخلق هذه الثنائية بيئة حيث يتعين على
القوى العلمانية والدينية أن تتعايش معاً، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى مناقشات
مثيرة للجدال حول قضايا مثل التعليم وحقوق المرأة وحرية التعبير.
وتستحق الأبعاد الثقافية
للعلمانية في المغرب الاهتمام أيضاً. فالمجتمع المغربي يتميز بنسيج غني من التأثيرات
الثقافية، بما في ذلك التقاليد العربية والأمازيغية والأندلسية. وقد عزز هذا التنوع
تاريخياً روح التسامح والتعايش. بيد أن صعود الحركات الإسلامية العالمية وانتشار الإيديولوجيات
المحافظة طرحا تحديات جديدة. ويؤكد التوتر بين الثقافة التعددية التاريخية في المغرب
والتأثير المتزايد للتيارات الدينية المحافظة على التعقيدات التي تكتنف التعامل مع
العلمانية في مجتمع ذي جذور دينية عميقة.
إن التعليم يشكل ساحة
معركة حاسمة في الصراع بين العلمانية والسلطة الديني في المغرب. ويعكس نظام التعليم
المغربي محاولة البلاد إيجاد التوازن بين الحداثة والتقاليد، حيث تلعب المناهج العلمانية
والدينية أدواراً مهمة. ومع ذلك، فإن المناقشات حول محتوى الكتب المدرسية، ودور التعليم
الديني، وتعزيز التفكير النقدي تسلط الضوء على التحديات المتمثلة في تعزيز النظرة العلمانية
في مجتمع حيث يتجذر الدين بعمق. وبالتالي فإن إصلاح التعليم في المغرب يصبح نموذجاً
مصغراً للنضال الأوسع نطاقاً لإيجاد التوازن بين القيم العلمانية والدينية.
وتعكس وسائل الإعلام
والخطاب العام في المغرب أيضًا تعقيدات العلمانية. وفي حين توجد مساحة متزايدة للأصوات
العلمانية، بما في ذلك المدافعون عن المساواة بين الجنسين وحقوق المثليين ومزدوجي الميل
الجنسي ومغايري الهوية الجنسية وحرية التعبير، فإن هذه الأصوات غالبًا ما تواجه مقاومة
من العناصر المحافظة داخل المجتمع. وقد أدى دور وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة للخطاب
العلماني والديني إلى تكثيف هذه المناقشات، مما أدى إلى خلق مجال عام ديناميكي ولكنه
غالبًا ما يكون مستقطبًا.
إن جوهر التحديات التي
تواجه العلمانية في المغرب يكمن في مسألة الهوية. فبالنسبة للعديد من المغاربة، لا
يشكل الإسلام مجرد دين، بل يشكل جانباً أساسياً من هويتهم الثقافية والوطنية. وكثيراً
ما يُنظَر إلى العلمانية، التي تؤكد على فصل الدين عن الحياة العامة، باعتبارها مفهوماً
غربياً قد يهدد هذه الهوية. ويؤكد هذا التصور على الحاجة إلى نهج مغربي فريد في التعامل
مع العلمانية، وهو المنهج الذي يحترم التراث الديني للبلاد في حين يتعامل مع متطلبات
عالم سريع التغير.
في مفترق الطرق هذا
بين العلمانية والتقاليد، يواجه المغرب مهمة صعبة لتحقيق التوازن الدقيق. ويتعين على
قادة البلاد أن يتعاملوا مع تطلعات السكان الشباب المتصلين بالعالم مع احترام قيم المجتمع
المحافظ. وهذا لا يتطلب إصلاحات قانونية وسياسية فحسب، بل يتطلب أيضاً تحولاً ثقافياً
أوسع نطاقاً يعزز الحوار والتفاهم بين المنظورين العلماني والديني.
وفي نهاية المطاف،
سوف يعتمد مستقبل العلمانية في المغرب على قدرة البلاد على رسم مسار يعكس هويتها وتطلعاتها
الفريدة. ويتعين على هذا المسار أن يعترف بأهمية الدين في المجتمع المغربي مع تعزيز
مبادئ التعددية والتسامح وحقوق الإنسان. وبهذا، تتاح للمغرب الفرصة للعمل كنموذج للدول
الأخرى التي تكافح تحديات مماثلة، وإثبات أن التقاليد والحداثة يمكن أن تتعايشا في
مجتمع ديناميكي ومتطور.
0 التعليقات:
إرسال تعليق