إن التوتر بين المغرب والجزائر بشأن نزاع الصحراء يتطور إلى صراع جيوسياسي عالي المخاطر. ويثير تورط الجزائر، وخاصة من خلال دعمها لجبهة البوليساريو، تساؤلات حول نواياها وما إذا كانت تسعى إلى تصعيد القضية إلى مواجهة إقليمية أوسع نطاقا. والحادث الأخير في محبس، حيث ورد أن قوات البوليساريو استهدفت احتفالا بالمسيرة الخضراء بالقذائف، يجسد هذا العداء المتزايد.
إن الهجوم على احتفالات
المسيرة الخضراء في المحبس يمكن تفسيره على أنه جزء من استراتيجية أوسع نطاقا ومدروسة
من جانب الجزائر.
ويشير المحللون إلى
أن دعم الجزائر المتكرر للأفعال الاستفزازية التي تقوم بها جبهة البوليساريو، وخاصة
في منطقة المحبس ذات الحساسية الاستراتيجية، يشير إلى تصعيد في موقف الجزائر. فالمحبس،
الواقعة بالقرب من الحدود المغربية الجزائرية، تشكل منطقة ذات أهمية رمزية واستراتيجية
بالنسبة للمغرب، نظراً لقربها من المناطق المتنازع عليها. ومن خلال تمكين قوات البوليساريو
من شن هجمات في مثل هذه المواقع، يبدو أن الجزائر تختبر قدرة المغرب على الرد العسكري.
وتهدف هذه المخاطرة المحسوبة إلى وضع المغرب في موقف حرج: إما الرد، مما يعرض الاستقرار
الإقليمي للخطر، أو الامتناع عن ذلك.
وعلاوة على ذلك، تشير
المناورات العسكرية الجزائرية وزيادة الإنفاق الدفاعي إلى استعداد أوسع لصراع محتمل.
فقد زادت الجزائر ميزانيتها الدفاعية بشكل مطرد، وورد أنها تعمل على تحديث قدراتها
العسكرية بمعدات روسية وصينية متقدمة. وقد أثار هذا الشكوك داخل الدوائر الأمنية المغربية
حول نوايا الجزائر، خاصة وأن المغرب كان يعمل في الوقت نفسه على تعزيز شراكاته الدفاعية،
ولا سيما مع الولايات المتحدة وفرنسا.
وهناك عامل آخر يغذي
استفزازات الجزائر يتمثل في المكاسب الدبلوماسية التي حققها المغرب مؤخرا فيما يتصل
بقضية الصحراء. فعلى مدى العقد الماضي، نجح المغرب في تأمين دعم دولي كبير لخطته للحكم
الذاتي في الصحراء، حيث تلقى تأييدا من دول مثل الولايات المتحدة، والعديد من الدول
الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ودول الخليج. وقد أدى هذا إلى إضعاف رواية جبهة البوليساريو،
وبالتالي موقف الجزائر بشأن الصحراء.
وقد تحاول الجزائر،
رداً على ذلك، زعزعة استقرار المنطقة لتعطيل هذه التطورات الدبلوماسية. ومن خلال خلق
جو من الصراع، قد تحاول الجزائر عرقلة الدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي المغربية، مما
يثير الشكوك في الدوائر الدولية حول استقرار المنطقة وقابليتها للحياة كمنطقة تتمتع
بالحكم الذاتي تحت الإدارة المغربية. وبالنسبة للجزائر، قد تؤدي هذه الاستراتيجية إلى
تحويل التركيز الدولي مرة أخرى إلى الحاجة إلى حل "محايد"، وربما استفتاء
على الاستقلال، وهو ما دافعت عنه جبهة البوليساريو منذ فترة طويلة.
وبالإضافة إلى الاعتبارات
الاستراتيجية، ربما تكون الضغوط الداخلية في الجزائر هي الدافع وراء موقفها العدواني
تجاه المغرب. فالجزائر تواجه تحديات داخلية كبيرة، بما في ذلك عدم الاستقرار الاقتصادي،
والاضطرابات السياسية، وأزمة البطالة المتنامية بين الشباب. كما أن اعتماد البلاد على
عائدات النفط والغاز، التي تتقلب مع الأسواق العالمية، جعلها عرضة للخطر اقتصاديا.
وفي السنوات الأخيرة، ظهرت مشاعر الاستياء العام، مع تزايد وتيرة الاحتجاجات والدعوات
إلى الإصلاح النظامي.
وفي ظل هذه الظروف،
قد تنظر القيادة الجزائرية إلى المواجهة الخارجية باعتبارها وسيلة لحشد الدعم المحلي،
وتحويل التركيز من السخط الداخلي إلى التهديد الخارجي المتصور. وقد يكون هذا التكتيك،
الذي يشار إليه غالباً باسم "إخراج الأزمة إلى الخارج"، وسيلة فعّالة لتوحيد
شعب منقسم تحت لواء الدفاع الوطني. وعلى هذا فإن القيادة الجزائرية قد تسعى من خلال
تصعيد التوترات مع المغرب إلى تعزيز موقفها في الداخل.
وإذا كانت ممارسات
الجزائر تهدف بالفعل إلى استفزاز المغرب، فإن العواقب المترتبة على الاستقرار الإقليمي
ستكون عميقة. ذلك أن المواجهة الشاملة بين الجزائر والمغرب لن تشمل هاتين الدولتين
فحسب، بل قد تجتذب أيضاً حلفائهما الدوليين، الأمر الذي قد يؤدي إلى صراع أوسع نطاقاً.
والواقع أن تحالفات المغرب مع الولايات المتحدة ودول الخليج وإسرائيل، على النقيض من
شراكات الجزائر مع روسيا ودول أخرى، مهدت الطريق لشبكة معقدة من التحالفات والمعارضات
التي قد تؤدي إلى تفاقم الصراع.
وعلاوة على ذلك، فإن
الصراع قد يعطل منطقة المغرب الكبير والمناطق الأفريقية الأوسع، مما يؤثر على التجارة
والأمن والتنمية الاقتصادية. وأي تصعيد في الصحراء من شأنه أن يهدد استقرار البلدان
المجاورة، بما في ذلك موريتانيا وليبيا، وقد يؤثر حتى على أوروبا، وخاصة من خلال تدفقات
اللاجئين وانقطاعات الطاقة المحتملة. وباعتبارها موردا رئيسيا للطاقة إلى أوروبا، فإن
عدم استقرار الجزائر قد يخلف عواقب بعيدة المدى، وخاصة في ضوء المخاوف الأوروبية الأخيرة
بشأن أمن الطاقة.
ورغم الاستفزازات،
فقد اتبع المغرب تاريخيا منهجا متحفظا تجاه مناورات الجزائر، سعيا إلى الحفاظ على الاستقرار
والسعي إلى حلول دبلوماسية لنزاع الصحراء. ومع كل استفزاز جديد، يتعرض ضبط النفس المغربي
لاختبار متزايد. فقد دعت الجهات المعنية الدولية، وخاصة الأمم المتحدة، إلى إجراء مفاوضات،
لكن موقف الجزائر الثابت بشأن استقلال الصحراء يعقد التقدم الدبلوماسي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق