الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، نوفمبر 13، 2024

صحافة البيانات والبيانات الضخمة: الاستفادة من البيانات الضخمة لإعداد تقارير استقصائية متعمقة عبده حقي


أحدثت صحافة البيانات تحولاً في مجال التحقيقات الاستقصائية، حيث زودت الصحفيين بالأدوات والتقنيات اللازمة لكشف الرؤى وكشف الاتجاهات الخفية ورواية أخبار مقنعة تستند إلى أدلة ملموسة. لقد أصبح ظهور البيانات الضخمة ــ مجموعات البيانات الضخمة المعقدة التي لا تستطيع برامج معالجة البيانات التقليدية التعامل معها ــ بمثابة عامل تغيير كبير بالنسبة للصحفيين الاستقصائيين. تستكشف هذه المقالة كيف تعمل البيانات الضخمة على إحداث ثورة في صحافة البيانات، والأساليب التي يستخدمها الصحفيون لتسخير قوتها، والاعتبارات الأخلاقية التي تأتي معها.

نشأت صحافة البيانات كاستجابة للتوافر المتزايد للبيانات الرقمية والتقدم المحرز في تحليل البيانات. وباستخدام قواعد البيانات وأدوات التصور والتقنيات الإحصائية، يمكن للصحفيين تجاوز الأدلة الأخبارية لتقديم الحقائق القائمة على البيانات. تعمل صحافة البيانات على سد الفجوة بين المعلومات الخام والرؤى الهادفة، مما يسمح للمراسلين بمعالجة أخبار ذات تأثير اجتماعي كبير، من الفساد الحكومي إلى الأزمات البيئية.

تشير البيانات الضخمة إلى مجموعات البيانات الضخمة والمعقدة للغاية التي لا تستطيع قواعد البيانات التقليدية إدارتها. ويمكن أن تشمل هذه البيانات ملايين السجلات المتعلقة بالمعاملات المالية، أو منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، أو معلومات الصحة العامة. وبالنسبة للصحفيين الاستقصائيين، توفر البيانات الضخمة المواد اللازمة لكشف الأنماط، واكتشاف الشذوذ، والمقارنة بين مصادر متعددة للمعلومات، مما يؤدي إلى عمق جديد في سرد ​​الأخبار. وباستخدام تحليلات البيانات الضخمة، يمكن للصحفيين تحليل مجموعات البيانات الضخمة بسرعة ودقة، وكشف الأخبار التي قد تظل مخفية لولا ذلك.

على سبيل المثال، اعتمد تحقيق أوراق بنما ــ وهو تعاون بين أكثر من 300 صحفي من مختلف أنحاء العالم ــ على البيانات الضخمة لفحص 11.5 مليون وثيقة مسربة. وباستخدام التعدين في البيانات، والتعلم الآلي، وتقنيات التصور المتقدمة، كشف الصحفيون عن أنشطة مالية خارجية لأفراد بارزين في مختلف أنحاء العالم. ولولا الأدوات التي توفرها البيانات الضخمة، لكان التعامل مع مثل هذه الكمية الهائلة من المعلومات مستحيلا.

استخراج البيانات وتحليلها : يتضمن استخراج البيانات استخراج البيانات وتحليلها من مصادر متعددة لتحديد الأنماط والعلاقات. يستخدم الصحفيون برامج متخصصة لاستخراج البيانات من السجلات العامة والمعاملات المالية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المصادر.

التصور : تتيح أدوات التصور للبيانات الضخمة للصحفيين تقديم معلومات معقدة بوضوح ودقة. وتسهل المخططات والرسوم البيانية والخرائط ولوحات المعلومات التفاعلية على الجمهور استيعاب المعلومات المعقدة ومراقبة الاتجاهات.

معالجة اللغة الطبيعية (NLP) : تسمح معالجة اللغة الطبيعية، وهي أحد مجالات الذكاء الاصطناعي، للآلات بتفسير اللغة البشرية. يستخدم الصحفيون أدوات معالجة اللغة الطبيعية لتحليل كميات كبيرة من النصوص، مثل التقارير الحكومية أو الملفات المؤسسية، واستخراج المعلومات الرئيسية وتلخيص النتائج.

التعلم الآلي : في بعض الحالات، يمكن تدريب خوارزميات التعلم الآلي على اكتشاف الشذوذ أو التنبؤ بالنتائج استنادًا إلى البيانات التاريخية. على سبيل المثال، قد تساعد التحليلات التنبؤية في تحديد المجتمعات المعرضة لخطر كبير من المخاطر البيئية.

قوة تحقيقية معززة : تمكن البيانات الضخمة الصحفيين من التعامل مع مجموعات ضخمة من البيانات بكفاءة، وكشف الأنماط أو الأخبار المخفية التي قد تمر دون أن يلاحظها أحد.

زيادة الشفافية : يتيح الوصول إلى البيانات الضخمة للصحفيين مساءلة المنظمات من خلال التدقيق في مجموعات البيانات الضخمة التي يصعب الوصول إليها في كثير من الأحيان. وتسمح مبادرات الشفافية الحكومية، مثل بوابات البيانات المفتوحة، للصحفيين بالوصول إلى المعلومات العامة بسهولة.

إشراك جمهور أوسع : يمكن أن تجذب عمليات التصور المستندة إلى البيانات والمحتوى التفاعلي جمهورًا أوسع من خلال جعل الأخبار المعقدة أكثر سهولة في الوصول إليها.

التحديات والاعتبارات الأخلاقية

رغم أن البيانات الضخمة توفر فرصا غير مسبوقة، فإنها تثير أيضا العديد من التحديات والمخاوف الأخلاقية.

الخصوصية والسرية : يجب على الصحفيين توخي الحذر عند التعامل مع البيانات الحساسة لحماية حقوق خصوصية الأفراد. وتعتبر الاعتبارات الأخلاقية مهمة بشكل خاص عند التعامل مع البيانات الشخصية أو المعلومات السرية.

التحيز والتفسير الخاطئ : قد تحتوي مجموعات البيانات على تحيزات قد تؤثر على النتائج. يجب على الصحفيين أن يجتهدوا في فهم مصادر بياناتهم والتحيزات المحتملة فيها، والتأكد من أن تحليلاتهم دقيقة ونزيهة.

الوصول إلى البيانات وملكيتها : لا يتمتع جميع الصحفيين بنفس القدر من القدرة على الوصول إلى موارد البيانات الضخمة. وتتطلب العديد من قواعد البيانات اشتراكات باهظة الثمن، مما يحد من الوصول إلى المؤسسات الإخبارية الممولة جيدًا. ويمكن أن يؤدي هذا إلى نشوء تباينات في أنواع الأخبار التي يتم تغطيتها.

الخبرة الفنية : يتطلب تحليل البيانات الضخمة مهارات فنية لا يمتلكها جميع الصحفيين. وتستثمر غرف الأخبار بشكل متزايد في فرق صحافة البيانات، ولكن يتعين على الصحفيين الاستمرار في بناء مهاراتهم في تحليل البيانات والبرمجة والتصور.

مع تزايد إمكانية الوصول إلى البيانات، يبدو مستقبل صحافة البيانات واعدًا. تتبنى غرف الأخبار في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد الأساليب القائمة على البيانات، وتستثمر في الأدوات، وتدرب المراسلين على الاستفادة من البيانات الضخمة. ومن المرجح أن تصبح التعاونات بين الصحفيين وعلماء البيانات، مثل تلك التي نراها في التحقيقات الكبرى، أكثر شيوعًا. وعلاوة على ذلك، ستستمر التطورات في الذكاء الاصطناعي، وخاصة في التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية، في تمكين الصحفيين من غربلة مجموعات البيانات المعقدة بشكل أسرع وبدقة أكبر.

وفي الختام، تعمل البيانات الضخمة على تحويل الصحافة الاستقصائية من خلال توفير الأدوات والمعلومات اللازمة لسرد أخبار مؤثرة ومستندة إلى الحقائق. وفي حين تظل التحديات قائمة، وخاصة فيما يتصل بالاعتبارات الأخلاقية والوصول إلى البيانات، فإن فوائد استخدام البيانات الضخمة في الصحافة لا يمكن إنكارها. ومن خلال الاستمرار في تطوير مهاراتهم في مجال البيانات، يمكن للصحفيين الاستفادة من البيانات الضخمة لتوفير رؤى أعمق، ومحاسبة الأقوياء، والوفاء بدورهم الحاسم في مجتمع مستنير.

0 التعليقات: