يؤكد المغرب يوما بعد آخر أنه على أهبة الاستعداد لحجز مكانه باعتباره وادي السيليكون في المستقبل، وهو التحول الذي تدعمه سلسلة من الإصلاحات والاستثمارات الاستراتيجية. ولا يعد هذا التحول مجرد طموح بل إنه يعكس الجهود المعتمدة لترسيخ مكانة البلاد كقوة تكنولوجية، والاستفادة من قوتها العاملة الشابة وسياساتها الضريبية المواتية والبنية الأساسية المزدهرة.
إن الطموح إلى محاكاة وادي السيليكون في كاليفورنيا مدعوم باعتراف المغرب بالتكنولوجيا باعتبارها حجر الزاوية للنمو الاقتصادي في المستقبل. والقياس بوادي السيليكون طموح واستراتيجي بعيد المدى . ومثله كمثل وادي السيليكون، فإن الرؤية المغربية تعتمد على تعزيز نظام بيئي قوي للابتكار. في هذا الصدد أبرزت الجريدة الإسبانية *مجلة التكنولوجيا* مؤخرًا هذه الإمكانات، مسلطة الضوء على المنهج الشامل للمغرب في جذب الاستثمار الأجنبي وزراعة بيئة مواتية للشركات الناشئة والشركات التكنولوجية الراسخة على حد سواء. وتتمثل النقطة المحورية في هذه الاستراتيجية في توفير الحوافز الضريبية المصممة لجذب الشركات التكنولوجية، إلى جانب إنشاء البنية التحتية الأساسية مثل الاتصال بالإنترنت عالي السرعة ومراكز البيانات الحديثة.
إن هذه التطورات في
البنية الأساسية ليست مادية فحسب، بل تعكس التزاما أوسع بإنشاء اقتصاد مترابط رقميا.
ويوضح تركيز المغرب على الذكاء الاصطناعي والزراعة الدقيقة والطاقة المتجددة نيته في
احتضان الصناعات التي تتطلع إلى المستقبل والاستدامة. ولا تعد هذه القطاعات بعوائد
اقتصادية عالية فحسب، بل إنها تتوافق أيضا مع الضرورات العالمية للابتكار والإدارة
البيئية. ويزعم علماء مثل ريتشارد بالدوين، في عمله الرائد "التقارب العظيم: تكنولوجيا
المعلومات والعولمة الجديدة"، أن الثورة الرقمية ــ عندما تقترن بالحكم الاستراتيجي
ــ يمكن أن تغير بشكل كبير المسارات الاقتصادية. ويبدو أن المغرب يختبر هذه الأطروحة
ويكرسها على أرضه.
ومن السمات المميزة
للتفوق التكنولوجي للمغرب نظامه البيئي النابض بالحياة. وبفضل السكان الشباب المجهزين
بالمهارات الرقمية، تعمل البلاد على تنمية جيل من رواد الأعمال المتمرسين في مجال التكنولوجيا.
إن هؤلاء المبدعين الشباب مدعومون بنظام تعليمي موجه بشكل متزايد نحو إنتاج النوع المطلوب
من المواهب اللازمة للاقتصاد الرقمي. وهذا مهم بشكل خاص، نظرًا لأن رأس المال البشري
يُستشهد به غالبًا باعتباره العمود الفقري لأي مركز تقني ناجح. ويؤكد تعاون الحكومة
المغربية مع القطاع الخاص لتعزيز المناهج التعليمية - من معسكرات التدريب على البرمجة
إلى الجامعات التقنية المتخصصة - على هذا الالتزام. يمكن إجراء مقارنات مع استراتيجية
"دولة الشركات الناشئة" في إسرائيل، حيث أنتج مزيج من التدريب العسكري وثقافة
ريادة الأعمال والدعم الحكومي قوة تقنية عالمية. إن منهج المغرب - على الرغم من اختلافه
- يشترك في تطلعات مماثلة.
ومع ذلك، فإن الطريق
إلى أن يصبح المغرب وادي السيليكون في المستقبل ليس خاليًا من التحديات حيث يكمن التحدي
الرئيسي في تأمين التمويل الكافي للشركات الناشئة. في حين شهد الاستثمار المباشر الأجنبي
نموًا كبيرًا، لا يزال رأس المال الاستثماري المحلي متخلفًا. غالبًا ما تجبر فجوة التمويل
هذه الشركات الناشئة المغربية على البحث عن الاستثمار في الخارج، وهو الاتجاه الذي
قد يقوض استدامة النظام البيئي المحلي. وعلاوة على ذلك، تظل الحاجة إلى تعزيز الخبرة
الفنية ملحة. على الرغم من أن الجامعات ومراكز التدريب في المغرب تنتج تدفقًا ديناميكيا
من المواهب، فإن وتيرة التقدم التكنولوجي تتطلب رفع المهارات والتكيف بشكل مستمر -
وهي مهمة تتطلب التعاون بين القطاعين العام والخاص.
إن مجال التركيز الحاسم
الآخر هو سياسة الابتكار. ولابد أن تستكمل جهود الحكومة لتعزيز الابتكار من خلال الحوافز
الضريبية والمنح بقوانين قوية للملكية الفكرية. وفي غياب الحماية الكافية للملكية الفكرية،
فإن خطر سرقة الأفكار أو إساءة استخدامها قد يخنق الإبداع الذي تسعى الدولة إلى تعزيزه.
وتكشف الرؤى المستمدة من كتاب ماريانا مازوكاتو "الدولة الريادية" أن سياسات
الابتكار التي تقودها الحكومة المغربية يمكن أن تكون تحويلية، ولكن فقط إذا كانت شاملة
وقابلة للتكيف. ومن المرجح أن يعتمد نجاح المغرب على مدى قدرته على دمج مثل هذه الرؤى
في إطار حوكمته.
إن التصور العالمي
للمغرب كمركز تكنولوجي صاعد مدعوم بدراسات حالة ناجحة للشركات الناشئة المغربية. على
سبيل المثال، قدمت الشركات المتخصصة في تصميم وإنتاج الرقائق مساهمات كبيرة في الاقتصاد
الوطني. ولا تعمل هذه الشركات على خلق فرص العمل فحسب، بل إنها تظهر أيضًا إمكانات
الابتكار المحلي للتنافس على الساحة العالمية. وتؤكد إنجازاتها على أهمية وجود نظام
دعم شامل - من الوصول إلى التمويل إلى التعليم الجيد - لدعم النمو التكنولوجي.
ولكن طموحات المغرب
تمتد إلى ما هو أبعد من المكاسب الاقتصادية. ويشير دمج التكنولوجيا في القطاعات التقليدية
مثل الزراعة والطاقة إلى رؤية أوسع للتحول المجتمعي. والزراعة الدقيقة ــ التي تستخدم
الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتحسين الممارسات الزراعية ــ هي مثال رئيسي
على هذا التوجه . وفي بلد كالمغرب تظل فيه الزراعة ركيزة اقتصادية حيوية، فإن تبني
مثل هذه التقنيات من شأنه أن يعزز الإنتاجية مع الحد من التأثير البيئي. وعلى نحو مماثل،
يسلط استثمار المغرب في الطاقة المتجددة ــ وخاصة من خلال مشاريع مثل مجمع نور ورزازات
للطاقة الشمسية ــ الضوء على التزامه بالتنمية المستدامة. وتتردد صدى هذه الجهود مع
الاتجاهات العالمية، كما يتضح في مبادرات مثل الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي، التي
تؤكد على الترابط بين التكنولوجيا والاستدامة.
والمقارنة بوادي السيليكون
في كاليفورنيا ليست خالية من الفروق الدقيقة. ففي حين كان نجاح وادي السيليكون مدعوما
بتضافر عوامل ــ بما في ذلك القرب من الجامعات العالمية، ورأس المال الاستثماري، وثقافة
المخاطرة ــ فإن رحلة المغرب سوف تتطلب تكييف هذه العناصر مع سياقها المتفرد. وسوف
تلعب العوامل الثقافية والاقتصادية والجيوسياسية دوراً كبيراً في تشكيل نسخة المغرب
من مركز التكنولوجيا. فموقع البلاد الاستراتيجي عند مفترق الطرق بين أوروبا وأفريقيا
والشرق الأوسط يجعلها بمثابة بوابة طبيعية للابتكار والتجارة. ومن الممكن أن يكون الاستفادة
من هذه الميزة الجغرافية بمثابة عامل تغيير.
وفي الختام، فإن طموح
المغرب في أن يصبح وادي السيليكون في المستقبل طموح وقابل للتحقيق. فالاستثمارات الاستراتيجية
للبلاد في التكنولوجيا والتعليم والبنية الأساسية ــ إلى جانب قوتها العاملة الشابة
وبيئة الأعمال المواتية ــ توفر أساساً قوياً للنجاح. ومع ذلك، فإن معالجة التحديات
مثل فجوات التمويل ونقص المهارات وسياسة الابتكار سوف تكون بالغة الأهمية للحفاظ على
هذا الزخم. وبينما يراقب العالم تطور المغرب، يتضح أن البلاد لا تطمح إلى تكرار وادي
السيليكون فحسب، بل إنها تعمل على صياغة روايتها الفريدة للتحول التكنولوجي والاقتصادي.
وتتطلب هذه الرحلة، مثلها كمثل أي مدونة مكتوبة جيداً، الدقة والتعاون والالتزام الدؤوب
بالابتكار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق