يقدم مقال يونس مجاهد، "مفكرو ومحلو الوجبات السريعة" الذي صدر في جريدة الصباح يوم الخميس 2 يناير 2025 نقدًا مؤثرًا لتقنيات الاتصال الحديثة وتأثيرها على الخطاب الفكري واصفا إياها بالمصيبة . باستخدام مفهوم بيير بورديو عن "المفكرين السريعين"، يتحدى المقال سطحية التحليل الفكري في عصر يهيمن عليه تبادل المعلومات السريع. وبينما يثير المقال نقاطًا مهمة حول العيوب الفكرية التي تروج لها وسائل الإعلام المعاصرة، فإن تأطيره وعمقه يستحقان مزيدًا من التدقيق.
تدور الفرضية المركزية لمقال يونس مجاهد حول نقد بيير
بورديو لـ "المفكرين السريعين"، الأشخاص الذين يقدمون تحليلات سطحية لقضايا
معقدة في ظل قيود وسائل الإعلام السريعة. إن الاستعارة التي تشبه هؤلاء المفكرين بـ
"الوجبات السريعة" مناسبة، فهي تلتقط الافتقار إلى العمق والجودة والتغذية
في إنتاجهم الفكري. ويصور هذا القياس بوضوح التأثيرات الضارة للمباشرة التي تقودها
وسائل الإعلام على الخطاب العام، مما يردد حجة بورديو بأن المشاركة الفكرية الحقيقية
تتطلب الوقت والتأمل.
إن تأكيد يونس مجاهد على التباعد بين وسائل الإعلام
والأوساط الأكاديمية هو نقطة قوة أخرى. فهو يؤكد على إمكانات الجامعات ومؤسسات البحث
كمراكز للإنتاج الفكري العميق والدقيق. ومن خلال الدعوة إلى أن تسعى وسائل الإعلام
إلى الحصول على رؤى من الأوساط الأكاديمية بدلاً من الاعتماد على "المفكرين السريعين"،
فإن المقال يتماشى مع المثل الأعلى لتعزيز الخطاب العام المستنير. ويتردد صدى هذا النقد
للإثارة الإعلامية في عصر حيث تتفشى المعلومات الزائدة والتضليل.
وعلى الرغم من أساسها القوي، يمكن أن تستفيد المقالة
من الوضوح البنيوي والتفصيل الأكبر. يقدم يونس مجاهد أفكاراً مقنعة، مثل نقد السطحية
الفكرية ودور وسائل الإعلام في إدامتها، لكنه لا يستكشفها بعمق كافٍ. على سبيل المثال،
تم تقديم مفهوم "المفكرين السريعين" في المقام الأول من خلال منظور بورديو
دون تفصيل أو سياق جوهري داخل المشهد الإعلامي العربي أو العالمي المعاصر. كيف تجلت
هذه الظاهرة في وسائل الإعلام العربية؟ هل هناك أمثلة بارزة لمفكرين أو منصات تتحدى
هذا الاتجاه؟ إن تناول هذه الأسئلة كان ليثري المقال.
بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتماد المقال على انتقادات بورديو
يمنحه نبرة خاصة، حيث يعتمد بشكل كبير على رؤى عالم الاجتماع بدلاً من تطوير البراهين
الأصلية. وبينما يعترف يونس مجاهد بالأهمية الدائمة لأفكار بورديو، فإن المقال يفوت
فرصة التوسع فيها بطرق تعكس الحقائق الحالية. على سبيل المثال، فإن دور وسائل التواصل
الاجتماعي، التي يمكن القول إنها أدت إلى تفاقم صعود "المفكرين السريعين"،
غائب بشكل ملحوظ عن المناقشة. إن استكشاف كيف تعمل منصات مثل تويتر أو تيك توك على
ضغط المناقشات المعقدة في مقاطع صوتية من شأنه أن يوفر نقدًا أكثر شمولاً لتقنيات الاتصال
الحديثة.
إن أسلوب يونس مجاهد البلاغي جذاب، وخاصة في استخدامه
للاستعارات. إن مصطلح "مفكري الوجبات السريعة" مثير للذكريات وسهل الوصول
إليه، مما يجعل نقد المقال أكثر ارتباطًا بجمهور أوسع. ومع ذلك، فإن هذه القوة الأسلوبية
تنحرف أحيانًا إلى التبسيط المفرط. إن التقارب المتكرر بين "المفكرين السريعين"
والأوساط الأكاديمية في المقال يخاطر بإضفاء المثالية على الأخيرة دون الاعتراف بحدودها
الخاصة. على سبيل المثال، ليست كل النتاجات الأكاديمية متفوقة بطبيعتها أو محصنة ضد
ضغوط النشر المدعوم بالسوق والإثارة.
إن الفجوة البارزة في المقال هي فشله في التعامل مع
الحلول المحتملة. ففي حين يسلط الضوء على أوجه القصور في الخطاب الإعلامي السريع الخطى،
فإنه لا يقدم توصيات قابلة للتنفيذ لسد الفجوة بين الأوساط الأكاديمية والجمهور. على
سبيل المثال، كيف يمكن للصحفيين دمج الرؤى الأكاديمية الصارمة في عملهم دون المساس
بالتوقيت؟ هل هناك نماذج قائمة للتعاون بين الأكاديميين والمهنيين في مجال الإعلام
يمكن محاكاتها؟ إن تناول هذه الأسئلة كان ليضيف بعدًا بنّاءً إلى النقد.
بالإضافة إلى ذلك، كان بإمكان يونس مجاهد أن يستكشف
إمكانات التقنيات الرقمية لمواجهة القضايا ذاتها التي ينتقدها حيث توفر منصات مثل البث
الصوتي (بودكاست) والصحافة المطولة والدورات التدريبية عبر الإنترنت سبلًا للتحليل
المتعمق والمشاركة الفكرية. من خلال التركيز فقط على الجوانب السلبية لتقنيات الاتصال
الحديثة، يفوت المقال فرصة لتقديم منظور متوازن.
إن مقال "مفكرو ومحللو الوجبات السريعة" يسلط
الضوء بشكل فعال على مخاطر الخطاب الفكري السريع في وسائل الإعلام المعاصرة. إن نقد
يونس مجاهد، الذي يستند إلى أفكار بورديو، في الوقت المناسب ومثير للتفكير، ويقدم تذكيرًا
قيمًا بأهمية العمق والدقة في المحادثات العامة. ومع ذلك، فإن اعتماد المقال على بورديو،
إلى جانب استكشافه المحدود للسياقات والحلول المعاصرة، يقيد عوامل تأثيره. ومن خلال
توسيع نطاقها لتشمل الانتقادات الدقيقة لوسائل التواصل الاجتماعي، والتوصيات القابلة
للتنفيذ، والاعتراف بعيوب الأوساط الأكاديمية نفسها، يمكن للمقالة أن تخدم غرضها بشكل
أفضل باعتبارها صرخة حاشدة من أجل النزاهة الفكرية في العصر الرقمي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق