لقد أثبت عام 2024 أنه لحظة محورية في النزاع الطويل الأمد حول الصحراء المغربية . إن جبهة البوليساريو تجد نفسها على شفا الانهيار، وتعاني من الخلافات الداخلية، وتضاؤل الدعم الدولي، وتآكل خطاباتها. وعلى النقيض من ذلك، أعادت التطورات الاستراتيجية التي أحرزتها المغرب - على المستويين الدبلوماسي والعسكري - تشكيل المنظور العالمي للصراع، مما أدى إلى عزل جبهة البوليساريو وداعمها الرئيسي الجزائر. ويتطلب هذا المشهد الجيوسياسي المتطور فحصًا أدق للديناميكيات الرئيسية التي تعيد تعريف قضية الصحراء المغربية .
على مدى العقد الماضي،
استغل المغرب ببراعة فطنته الدبلوماسية لتأمين دعم واسع النطاق لخطته للحكم الذاتي،
والتي تقترح حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية للصحراء. وبحلول عام 2024، أيدت 113 دولة
هذا الاقتراح رسميًا، مما يعكس تحولًا عالميًا في الإدراك. وكان الاعتراف بالسيادة
المغربية على المنطقة من قبل فرنسا، وهي قوة أوروبية كبرى، بمثابة لحظة فاصلة. لم يكن
هذا التأييد رمزيًا فحسب، بل أشار إلى توافق أوسع داخل الاتحاد الأوروبي، حيث حذت عدة
دول حذوه.
وعلاوة على ذلك، أثمرت
استراتيجية المغرب لتعزيز التعاون بين بلدان الجنوب. ويؤكد افتتاح أكثر من 30 دولة
قنصليات في العيون والداخلة على الشرعية المتزايدة لمطالبة المغرب. ولم تعمل هذه التطورات
على تعزيز موقف المغرب فحسب، بل كشفت أيضًا عن هشاشة قاعدة دعم البوليساريو، وخاصة
داخل الاتحاد الأفريقي، حيث يُنظر إلى عضوية المنظمة بشكل متزايد على أنها شذوذ
قاري يجب التخلص منه .
على المستوى الداخلي،
تواجه جبهة البوليساريو تحديات غير مسبوقة تهدد وجودها ذاته. ففي مخيمات تندوف، حيث
يعيش عشرات الآلاف من الصحراويين في ظروف مزرية، اتسعت الانشقاقات في قيادة المنظمة.
وقد بدا المظهر الأكثر وضوحًا لهذا الخلاف مع تمرد عسكري في عام 2024، حيث احتجز أعضاء
المنطقة العسكرية الأولى للبوليساريو قائدهم، مطالبين بالمساءلة عن الفساد وسوء الإدارة.
وكشف الحادث، الذي شمل سرقة وبيع 35 طنًا من الوقود بشكل غير مشروع، عن مظالم عميقة
الجذور وخيبة أمل أعضاء الصفوف.
إن هذا التمرد ليس
حدثًا معزولًا. إن هذا يشير إلى انهيار أوسع في الروح المعنوية بين مقاتلي البوليساريو،
الذين لم يعد الكثير منهم يؤمنون بجدوى أجندة الحركة الانفصالية. إن اعتماد البوليساريو
على الأنشطة غير المشروعة، بما في ذلك التهريب والاتجار، أدى إلى تآكل شرعيتها بشكل
أكبر، خاصة مع تعامل منطقة الساحل مع التهديدات الأمنية المتصاعدة. لقد أدت هذه المشاريع
الإجرامية إلى تنفير الحلفاء التقليديين وجذب التدقيق الدولي، مما ترك الحركة معزولة
بشكل متزايد.
لطالما استخدمت الجزائر،
المستفيد الرئيسي من البوليساريو، صراع الصحراء كأداة جيوسياسية لمواجهة المغرب. ومع
ذلك، فإن قدرة الجزائر على دعم هذه الاستراتيجية باتت تتضاءل أكثر فأكثر. على الصعيد
المحلي، تواجه الجزائر ضغوطًا اقتصادية وسياسية متزايدة، مما يحد من قدرتها على تمويل
البوليساريو. وعلى الصعيد الإقليمي، تضاءل نفوذ الجزائر مع تعزيز المغرب لعلاقاته مع
الدول الأفريقية الرئيسية من خلال مبادرات مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA).
وعلاوة على ذلك، فإن
الخطاب العدواني للجزائر ورفضها الانخراط في حوار هادف أدى إلى نفور الحلفاء المحتملين
من طروحاتها . ويتجلى هذا التحول بوضوح في أميركا اللاتينية، حيث ألغت دول مثل الإكوادور
وبنما اعترافها بما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. وتشير هذه الانتكاسات
إلى انهيار الحملة الدبلوماسية الجزائرية لحشد الدعم لجبهة البوليساريو، مما يزيد من
عزلة الحركة الانفصالية على الساحة العالمية.
ومع استمرار ضعف جبهة
البوليساريو، عزز المغرب سيطرته على المنطقة الواقعة شرقي الحزام الدفاعي، مما جعل
المنظمة الانفصالية كيانًا رمزيًا وليس سلطة وظيفية. ويشكل هذا التطور جزءًا من اتجاه
أوسع نطاقًا حيث يتم قبول سيادة المغرب على الصحراء المغربية بشكل متزايد باعتبارها حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي.
ومع ذلك، فإن الطريق
إلى الأمام ليس خاليًا من التحديات. فالوضع في مخيمات تندوف لا يزال يمثل أزمة إنسانية،
حيث يقع اللاجئون الصحراويون في مرمى نيران الألعاب السياسية. إن المجتمع الدولي لابد
وأن يتعامل مع هذه القضية، ليس فقط باعتبارها نتيجة للصراع في الصحراء ، بل باعتبارها
ضرورة أخلاقية.
إن تفكك جبهة البوليساريو
له تداعيات كبيرة على التوازن الجيوسياسي في شمال أفريقيا وخارجها. إن تراجع الحركة
الانفصالية يتماشى مع التحول العالمي نحو البراجماتية والواقعية السياسية، حيث تتفوق
السلامة الإقليمية والاستقرار في كثير من الأحيان على التطلعات الإيديولوجية. وينعكس
هذا الاتجاه في إحجام الاتحاد الأفريقي المتزايد عن تبني أجندات انفصالية، كما يتضح
من قراره بتقييد المناقشات حول قضية الصحراء المغربية في إطار الأمم المتحدة.
إن محنة البوليساريو
تشكل أيضا قصة تحذيرية للحركات الانفصالية الأخرى. إن مسارها، من رمز للمقاومة إلى
منظمة ممزقة شوهها الفساد والعنف، يسلط الضوء على المخاطر المترتبة على الاعتماد على
الرعاية الخارجية والأنشطة غير المشروعة. وعلى العكس من ذلك، فإن نجاح المغرب في تعزيز
الدعم الدولي يؤكد على أهمية الدبلوماسية الاستراتيجية والتكامل الاقتصادي.
يبدو أن الصراع في
الصحراء المغربية ، الذي اعتُبر لفترة طويلة نزاعاً مستعصياً، يقترب من الحل ــ وإن
كان لصالح رؤية المغرب للحكم الذاتي. فجبهة البوليساريو، التي كانت ذات يوم قوة هائلة،
أصبحت الآن مجرد ظل لما كانت عليه في السابق، مشلولة بالانقسامات الداخلية والتخلي
الخارجي. وفي الوقت نفسه، أعادت الانتصارات الدبلوماسية والعسكرية التي حققها المغرب
تشكيل السرد، ووضعت المملكة كقوة استقرار في المنطقة.
ومع استقرار الأمور،
يواجه المجتمع الدولي خياراً: الاستمرار في دعم الإيديولوجيات العتيقة والمثيرة للانقسام
أو تبني حل عملي يعزز الاستقرار والتنمية. إن تفكك جبهة البوليساريو ليس مجرد تطور
سياسي؛ بل إنه تذكير بأن القدرة على التكيف والاستبصار هما مفتاح النجاح الدائم في
المشهد الجيوسياسي المتغير باستمرار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق