الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، يناير 24، 2025

فن ومسؤولية الاتصال في الأزمات في الصحافة : ترجمة عبده حقي


يتجاوز دور الصحافة أثناء الأزمات مجرد نشر المعلومات؛ بل يصبح شريان حياة ودليلاً ومصدرًا للأمل في كثير من الأحيان. وفي خضم حالات الطوارئ، سواء كانت كوارث طبيعية أو أزمات صحية عامة أو صراعات جيوسياسية، تكتسب معايير وممارسات الصحافة أهمية متزايدة. إن الطريقة التي يتواصل بها الصحفيون خلال هذه اللحظات يمكن أن تشكل فهمًا عامًا، وتخفف الضرر، بل وحتى تنقذ الأرواح. ومع ذلك، تأتي هذه المسؤولية مع تعقيد متأصل، حيث يجب إدارة التوازن بين الإلحاح والدقة والحساسية بمهارة.

يتم تعريف الاتصال في الأزمات في الصحافة من خلال فورية الحدث والحاجة الماسة للمعلومات الدقيقة. في مثل هذه المواقف، يعمل الصحفيون في أرض محفوفة بالمخاطر. يمكن أن تتعارض الحاجة إلى السرعة - والتي غالبًا ما تشبه المشي على حبل مشدود بدون شبكة - مع ضرورة الدقة. والمخاطر عالية بشكل خاص؛ يمكن أن يؤدي التضليل أو التمثيل الخاطئ إلى زرع الذعر، أو تعزيز عدم الثقة، أو تفاقم الأزمة. على سبيل المثال، خلال جائحة كوفيد-19، كشفت دراسات نُشرت في مجلات مثل (طبيعة السلوك البشري)  Nature Human Behaviour  أن المعلومات المضللة تنتشر بشكل أسرع من التصحيحات، مما يؤدي إلى ارتباك واسع النطاق حول تدابير السلامة واللقاحات. وأكد الوباء على ضرورة أن يعمل الصحفيون كحراس للمعلومات التي تم التحقق منها أثناء مكافحة انتشار الروايات الكاذبة.

أحد أحجار الزاوية في التغطية الفعالة للأزمات هو الاستعداد. يجب على الصحفيين والمؤسسات الإخبارية الاستثمار في التخطيط قبل الأزمة، بما في ذلك التدريب على بروتوكولات الكوارث والمعضلات الأخلاقية والحساسية تجاه المجتمعات المتضررة. يعكس هذا الاستعداد المثل القائل بأن "الفشل في الاستعداد هو الاستعداد للفشل". على سبيل المثال، يوفر مركز دارت للصحافة والصدمات التدريب والموارد التي تؤكد على الصحة العقلية للصحفيين والاعتبارات الأخلاقية لتغطية الأحداث المؤلمة. تعمل هذه الممارسات على تجهيز الصحفيين ليس فقط للإبلاغ بشكل مسؤول ولكن أيضًا لحماية رفاهيتهم في بيئات مشحونة عاطفياً.

يعد السياق سمة أخرى من سمات التواصل في الأزمات النموذجية. لا تحدث حالات الطوارئ في فراغ؛ إن التغطية الإعلامية للأزمات غالباً ما تكون تتويجاً لقضايا نظامية وديناميكيات تاريخية وعوامل اجتماعية واقتصادية. ويتعين على الصحفيين أن ينسجوا هذه الخيوط في سردهم، مما يوفر للجمهور فهماً أكثر ثراءً للأزمة الحالية. خذ على سبيل المثال التغطية الإعلامية لأزمة اللاجئين السوريين. غالباً ما فشلت التغطية الإعلامية التي ركزت فقط على عدد الأفراد النازحين في التقاط الشبكة المعقدة من القوى الجيوسياسية وتغير المناخ والصراعات الاقتصادية التي غذت الهجرات الجماعية. من خلال التعمق في "السبب" وراء "ماذا"، يمكن للصحفيين تحويل عملهم إلى أداة للتعليم والدعوة.

يعد اختيار اللغة في تغطية الأزمات عاملاً حاسماً آخر يتطلب مداولات مدروسة. تحمل الكلمات وزناً، وخلال حالات الطوارئ، يمكنها إما بناء التضامن أو تعميق الانقسامات. على سبيل المثال، يمكن أن يؤثر تأطير حدث ما على أنه "كارثة" مقابل "تحدٍ" على الإدراك العام واستجابات السياسات. وعلاوة على ذلك، فإن اللغة الشاملة التي تحترم الفروق الثقافية والاجتماعية أمر بالغ الأهمية. عند إعداد التقارير عن المجتمعات المهمشة، يجب على الصحفيين تجنب تعزيز الصور النمطية أو الوصمات، لأن ذلك قد يؤدي إلى استمرار الضرر لفترة طويلة بعد انحسار الأزمة.

إن الدور الذي تلعبه التعاطف في الصحافة لا يقل أهمية عن ذلك. فالأزمات تجارب إنسانية في الأساس، ولابد أن تعكس التقارير الفعّالة أصوات وقصص المتضررين. والتعاطف لا يعني التضحية بالموضوعية؛ بل إنه يستلزم الالتزام بتضخيم الحقائق الحية التي يعيشها الأفراد دون استغلال ضعفهم. ومن الأمثلة التوضيحية التغطية الحائزة على جائزة بوليتسر لإعصار كاترينا التي نشرتها صحيفة تايمز بيكايون في نيو أورليانز. ولم تقتصر التقارير الحية التي نشرتها الصحيفة عن المعاناة الإنسانية والقدرة على الصمود على إطلاع الناس على الحقائق، بل وحشدت أيضا الاستجابات العامة والحكومية. ويؤكد هذا النهج على قوة الصحافة ليس فقط في توثيق التاريخ بل وأيضا في التأثير على مساره.

لقد أضافت التكنولوجيا الرقمية ووسائل الإعلام الاجتماعية فرصا وتحديات إلى الاتصالات في أوقات الأزمات. ومن الممكن أن تنشر منصات مثل تويتر وفيسبوك المعلومات بسرعة، وتسد الفجوات في التقارير في الوقت الحقيقي. ومع ذلك، فإنها تعمل أيضا كأرض خصبة للتضليل والإثارة. على سبيل المثال، خلال حرائق الغابات في أستراليا عام 2020، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا فعالاً في تنظيم جهود الإغاثة، إلا أنها كانت أيضًا مليئة بالمزاعم المبالغ فيها حول حجم الدمار. تتطلب هذه الثنائية من الصحفيين التكيف مع بيئة رقمية أولاً مع الالتزام بالمعايير الأخلاقية التقليدية. يجب أن يصبح التحقق، ونسب المصدر، ومكافحة المعلومات المضللة جزءًا لا يتجزأ من عملية إعداد التقارير في العصر الرقمي.

وعلاوة على ذلك، يعد التعاون بين الصحفيين والخبراء ضرورة متزايدة في مجال الاتصالات في حالات الأزمات. غالبًا ما تتطلب حالات الطوارئ المعقدة معرفة متخصصة، سواء في علم الأوبئة، أو علم المناخ، أو القانون الدولي. من خلال الشراكة مع الخبراء، يمكن للصحفيين توفير العمق والفروق الدقيقة لتغطيتهم، وتعزيز الثقة بين جماهيرهم. على سبيل المثال، خلال كارثة فوكوشيما النووية، تمكنت وسائل الإعلام التي تعاونت مع العلماء من إزالة الغموض عن مخاطر الإشعاع، مما ساعد في مواجهة الهستيريا العامة. وتؤكد مثل هذه الشراكات على الترابط المتبادل بين الصحافة والخبرة في التعامل مع الأزمات.

تشكل الاعتبارات الأخلاقية العمود الفقري للتقارير المسؤولة عن الأزمات. إن مدونة الأخلاقيات التي وضعتها جمعية الصحفيين المحترفين تؤكد على مبادئ مثل الحد من الضرر، والبحث عن الحقيقة، والعمل بشكل مستقل. وتعمل هذه المبادئ التوجيهية كبوصلة، وخاصة عندما تنشأ معضلات أخلاقية. فهل ينبغي نشر صور صادمة للعنف لنقل خطورة الموقف، أم أنها قد تسبب صدمة للمشاهدين دون داع؟ وهل ينبغي للمراسلين دخول المناطق المحظورة لجمع روايات مباشرة، أم أن هذا قد يتعارض مع العمليات الطارئة؟ لا توجد إجابات واحدة تناسب الجميع على هذه الأسئلة، لكنها تسلط الضوء على الحسابات الأخلاقية التي تدعم صحافة الأزمات.

وأخيرا، لا يمكن تجاهل مرونة الصحفيين أنفسهم. فغالبا ما يستلزم الإبلاغ عن الأزمات التعرض لأحداث صادمة، والتي يمكن أن تؤثر سلبا على الصحة العقلية. ويتعين على المؤسسات الإخبارية إعطاء الأولوية للصحة النفسية لموظفيها، وتقديم أنظمة الدعم وتعزيز ثقافة الانفتاح. إن القوة العقلية للصحفيين ليست مجرد مسألة شخصية؛ بل إنها تؤثر بشكل مباشر على جودة عملهم واستدامته.

وفي الختام، فإن التواصل في الأزمات في الصحافة هو فن بقدر ما هو علم. تتطلب الصحافة في أوقات الأزمات تفاعلاً دقيقاً بين السرعة والدقة والتعاطف والحكم الأخلاقي. وفي أفضل حالاتها، تسلط الصحافة الضوء على أحلك اللحظات، وتوفر الوضوح والأمل عندما تكون هناك حاجة إليهما أكثر من أي وقت مضى. ومع استمرار الأزمات في تحديد العصر المعاصر، ستظل مبادئ وممارسات صحافة الأزمات حجر الزاوية في مجتمع مستنير وقادر على الصمود. إن المخاطر كبيرة، ولكن كذلك هي الإمكانات المتاحة لإحداث تأثير ذي مغزى، مما يذكرنا بأنه، على حد تعبير الصحفي إدوارد ر. مورو، "لكي نكون مقنعين، يجب أن نكون جديرين بالثقة؛ ولكي نكون جديرين بالثقة، يجب أن نكون موثوقين؛ ولكي نكون موثوقين، يجب أن نكون صادقين".

0 التعليقات: