في مشهد دبلوماسي لا يخفى رمزيته السياسية والاستراتيجية، جددت الولايات المتحدة الأمريكية تأكيدها القاطع على دعم سيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، في موقف يقطع الشك باليقين ويؤكد مجددًا أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ليس لحظة عابرة، بل هو خيار استراتيجي مبني على رؤية واضحة لمستقبل الاستقرار الإقليمي.
التصريح الأخير الذي صدر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لم يكن مجرد إعلان بروتوكولي، بل حمل دلالات متعددة الأبعاد، سياسيًا وجيوستراتيجيًا. فحين تؤكد واشنطن مرة أخرى تمسكها بمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل جاد وواقعي وذي مصداقية، فإنها بذلك تُسقط نهائيًا رهانات خصوم الوحدة الترابية للمملكة، الذين لا يزالون يعوّلون على تحولات إقليمية أو دولية لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
ويأتي هذا التأكيد
في سياق إقليمي مشحون بالتحديات الأمنية، حيث تُظهر التطورات في منطقة الساحل والصحراء
مدى الحاجة إلى شركاء إقليميين يتمتعون بالاستقرار والرؤية المستقبلية. والمغرب، الذي
أثبت عبر السنوات قدرته على الجمع بين الإصلاح الداخلي والدور الإقليمي المسؤول، يُعتبر
من أبرز حلفاء واشنطن في شمال إفريقيا، ليس فقط بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي، بل
أيضًا بسبب التزامه بمحاربة الإرهاب، وتعزيز الأمن، وتطوير البنيات التحتية العابرة
للحدود، مثل الميناء الأطلسي بالداخلة.
ولا يمكن فهم هذا الموقف
الأمريكي المتجدد بمعزل عن تطورات العلاقات المغربية الأمريكية منذ اعتراف الرئيس السابق
دونالد ترامب بمغربية الصحراء في دجنبر 2020، وهو الاعتراف الذي لم يتم التراجع عنه
رغم تعاقب الإدارات. بل على العكس، شهدت العلاقات الثنائية توسعًا في المجالات الأمنية،
الاقتصادية، والثقافية، مما يدل على أن موقف الولايات المتحدة لم يكن موقفًا فرديًا
مرتبطًا برئاسة بعينها، بل هو ثمرة تحول في الرؤية الجيوسياسية لواشنطن تجاه المنطقة.
لقد أدرك صناع القرار
في واشنطن أن دعم المغرب لا يعني فقط مساندة حليف تقليدي، بل دعم نموذج ناجح في التنمية
والاستقرار والانفتاح. كما أن مبادرة الحكم الذاتي، التي تقترحها الرباط منذ 2007،
لم تعد فقط إطارًا تفاوضيًا، بل أضحت مرجعًا دوليًا للحلول السياسية الواقعية في مناطق
النزاع، وهو ما جعل عدداً من الدول الكبرى في أوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تدعمها
صراحة.
وفي المقابل، يبدو
أن خصوم المغرب يجدون أنفسهم في عزلة دبلوماسية متزايدة، حيث لم تعد شعارات "تقرير
المصير" تجد من يصغي إليها في المحافل الدولية، أمام وضوح المشروع المغربي، والتفاف
ساكنة الأقاليم الجنوبية حول مؤسسات الدولة، والمشاركة المكثفة في الانتخابات، والانخراط
في مشاريع التنمية الكبرى، التي تجعل من مدن العيون والداخلة واجهة نموذجية للتنمية
المستدامة في إفريقيا.
إن الموقف الأمريكي
ليس فقط اعترافًا قانونيًا، بل هو رهان استراتيجي على مغرب مستقر وقوي قادر على المساهمة
في الأمن القاري، وتعزيز التعاون بين ضفتي الأطلسي، والتصدي لتهديدات الإرهاب والهجرة
غير النظامية. كما أن هذا الدعم الأمريكي يرسل رسالة واضحة إلى باقي الشركاء الدوليين
مفادها أن مستقبل الصحراء محسوم سياسيًا وقانونيًا، وأن استمرار بعض الأطراف في الرهان
على الانفصال هو مقامرة خاسرة.
وإذا كان التاريخ يُكتب
أحيانًا بلغة المصالح، فإن المغرب نجح، بفضل دبلوماسيته الهادئة والرؤية الملكية المتبصرة،
في تحويل قضيته الوطنية من نزاع إقليمي إلى قضية استقرار إقليمي، ومن سردية تقليدية
إلى مشروع دولي يتقاطع فيه الأمن بالتنمية، والسيادة بالحوار، والشرعية بالمؤسسات.
0 التعليقات:
إرسال تعليق