تواصل مجلة "المسرح" الصادرة عن دائرة الثقافة في الشارقة أداء دورها كمختبر فكري وجمالي لمتابعة تطورات المسرح العربي والعالمي، حيث جاء عددها السابع والستون، لشهر أبريل 2025، زاخراً بمقالات وتحليلات ومعالجات نقدية تتقاطع فيها الأصوات والرؤى حول تجارب مسرحية معاصرة، وعروض، ومهرجانات، وشهادات شخصية وفكرية تسلط الضوء على عمق المشهد المسرحي وتنوعه.
يفتتح العدد بدراسة معمقة حول العنوان المركب والمحمّل بالدلالات الرمزية "داعش والغبراء"، لمؤلفه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة. كتب الدراسة الدكتور سامي الجمعان، متوقفًا عند البنية الخطابية للنص، ومقترحًا مقاربة تأويلية تستجلي حضور التاريخ في قلب سؤال الهوية والدم.
ولأن المجلة حريصة على نبض المشهد المحلي، خصصت حيزًا لاستطلاع حول مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي، الذي سيدخل دورته الثامنة بين 23 و27 مايو، حيث أدلى عدد من الفنانين المحليين برؤاهم حول مسيرة المهرجان وتحديات التجريب في المسرح الثنائي، بوصفه شكلًا دراميًا يتطلب تواطؤًا خاصًا بين النص والممثلين.
باب "قراءات" كان هذه المرة فضاءً لمقاربات نقدية لعدد من العروض المسرحية العربية المعاصرة. إبراهيم الحسيني توقف عند مسرحية "صرخات من الهاوية" للمخرج الإماراتي عبد الرحمن الملا، مشددًا على المفارقة بين البوح والكتمان في السياق النفسي للشخصيات. أما سامر محمد إسماعيل فقد اشتبك مع الطابع التجريبي لمسرحية "المؤسسة" للمخرج البحريني عيسى الصنديد، بينما قرأت فائزة مسعودي العرض الإماراتي "كعب ونصف حذاء" بوصفه تمرينًا بصريًا على تداخل القبح والجمال. وتحت عنوان "جرانتي العزيزة", استعاد كمال الشيحاوي ملامح من الذاكرة الموسيقية الشعبية التونسية كما قدمها المخرج الفاضل جزيري، في حين أبرز فريد أمعض شو جمالية الرمز في عرض "بعض الأشياء" للمخرج محمد جمعة علي.
وفي قسم "حوار"، نستمع إلى صوت الفنانة المصرية سلوى محمد علي، في مقابلة أدارها الكاتب باسم صادق، حيث فتحت دفاتر بداياتها الفنية، وسلطت الضوء على التأثيرات التي شكلت رؤيتها الإبداعية، وتحدثت بشفافية عن تحولات المسرح العربي في ظل التغيرات الثقافية والاجتماعية.
ولأن المسرح لا يُختزل في النص والعرض فقط، فقد خصصت المجلة باب "أسفار" لرحلة كمال خلادي إلى مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي. في نصه، تبدو القاهرة أكثر من مجرد مكان للعرض، بل مدينة تتنفس المسرح وتندمج عروضه مع أصواتها، وحرارة شوارعها، وغموض أزقتها.
في باب "رؤى"، كتب أسامة السروت عن فاعلية التلقي المسرحي، بينما تعمق عبد الناصر حسو في تحليل دراما القراءات كنوع من الأداء الذي ينهض بين النص المكتوب والعرض الحي، وهو ما يدفع القارئ للتفكير في الجسد بوصفه حاملًا لمعنى، لا مجرد وسيلة إلقاء. وفي باب "مطالعات"، نجد قراءة لرياض موسى سكران لكتاب "تجارب معاصرة في المسرح"، الذي ألّفه الناقد المصري سامح مهران، مستعرضًا فيه تجارب عربية وغربية ساهمت في إعادة تعريف العلاقة بين العرض والمتلقي.
باب "رسائل" لم يكن أقل زخمًا، إذ كتب فيه صبري حافظ عن عرض "طرق على السطح"، الذي قدمته الكاتبة والممثلة الفلسطينية خولة إبراهيم في مسرح "الرويال كورت" بلندن، حيث يتقاطع الجرح الشخصي مع النفي القسري. كما توقّف كريم رشيد عند أوبرا "سالومي" في عرضها الذي استضافه مسرح مالمو بالسويد، في قراءة تُعيد الاعتبار للانفعالات الجوانية في مسرح الغناء.
وتضمن العدد أيضًا تغطية شاملة للدورة الرابعة والثلاثين من أيام الشارقة المسرحية، من خلال مجموعة مقالات تحليلية، بينما قدم باب "متابعات" مقاربة حول مسيرة الكاتب الجنوب أفريقي أثول فوغارد، بعد رحيله، متوقفًا عند أثره في تجديد الخطاب المسرحي المناهض للتمييز العنصري.
وفي لحظة احتفاء خاصة، نشرت المجلة حوارًا قصيرًا مع الكاتب العماني أسامة زايد، بمناسبة تتويجه بجائزة الشارقة للتأليف المسرحي، بالإضافة إلى متابعة دقيقة لعروض تخرج طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، بوصفها بوصلة محتملة لجيل جديد من المسرحيين في المنطقة.
في هذا العدد، تؤكد مجلة "المسرح" مرة أخرى أنها ليست مجرد دورية ثقافية، بل أرشيف متجدد لحياة الفن المسرحي، ومساحة لحوار الثقافات، ومنصة لتقاطع النظريات بالتجارب، والهوية بالأسئلة المفتوحة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق