الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الاثنين، أكتوبر 27، 2025

تحول قضية الصحراء إلى هزيمة داخلية للنظام الجزائري؟ بقلم: عبده حقي

 

تعيش الجزائر اليوم على إيقاع ارتباك غير مسبوق، أقرب ما يكون إلى حالة طوارئ سياسية شاملة. مشروع القرار الأمريكي الجديد داخل مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء المغربية شكّل صدمةً عنيفة للنظام الجزائري الذي وجد نفسه مكشوفًا أمام العالم، بعد عقود

من التشدّق بشعارات “تقرير المصير” و”الدفاع عن الشعوب المظلومة”. فجأة، وجد النظام نفسه أمام نهاية محتومة لسيناريو “الانفصال”، واستبداله بمقاربة “الحكم الذاتي” تحت السيادة المغربية.

اللافت في المشهد أن الانهيار ليس وطنيًا بقدر ما هو نظامي. فالمعركة التي يخوضها قصر المرادية اليوم ليست لحماية “الجزائر”، بل لإنقاذ صورة الرئيس عبد المجيد تبون ومنظومته العسكرية. فالنظام الذي بنى شرعيته على “عداء المغرب” ورفع شعار “المغرب عدو استراتيجي”، يجد نفسه اليوم أمام حقيقة قاسية: العالم لم يعد يتسامح مع منطق الحرب الباردة، ولا مع صناعة “عدو خارجي” لتبرير فشل الداخل.

لقد بات واضحًا أن الهزيمة المنتظرة في نهاية أكتوبر ليست هزيمة دولة الجزائر، بل هزيمة نظام تبون وشَنقريحة، اللذين قادا البلاد نحو عزلة غير مسبوقة في محيطها المغاربي والعربي والإفريقي.

منذ السبعينيات، احتفظت الجزائر بموقف مبدئي تجاه قضية الصحراء، قائم على دعم “حق تقرير المصير” دون الانخراط في عداء مفتوح مع الرباط. حتى في فترات التوتر، لم تُغلق الأجواء، ولم تُقطع العلاقات الدبلوماسية. لكنّ كل ذلك تغيّر مع مجيء تبون وشَنقريحة، اللذين أعلنا قطيعة كاملة مع مدرسة “الحياد الحكيم”، واستبدلاها بعقيدة خطيرة هي “المغاروفوبيا”، أي تحويل المغرب إلى فزاعة سياسية دائمة لتخويف الشعب الجزائري وحشد التأييد الداخلي.

لقد أطلقت السلطة ماكينة إعلامية ضخمة لبث الكراهية ضد المغرب، أنشأت قنوات ومنابر لا وظيفة لها سوى شتم الرباط والملك محمد السادس ليلًا ونهارًا. لكنّ هذه السياسة لم تنتج سوى عزلة ديبلوماسية خانقة، ونزيفًا في مصداقية الجزائر داخل الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.

التحليل العميق يكشف أن النظام الجزائري ارتكب ثلاثة أخطاء استراتيجية قاتلة:

سوء فهم موجة التطبيع العربي:

تعامل تبون وشَنقريحة مع اتفاقات “أبراهام” بمنطق السبعينيات، معتقدين أن “الرفض العاطفي لإسرائيل” يكفي لكسب شرعية عربية. لكنهم تجاهلوا أن الدول العربية طوّرت مقاربات أمنية جديدة تحمي مصالحها ضد التمدد الإيراني، وتستفيد من الشراكة التكنولوجية والعسكرية مع واشنطن وتل أبيب. بينما غرقت الجزائر في خطاب أخلاقي متحجر جعلها تبدو “المتفرج الوحيد” في مشهد متغيّر.

تقدير خاطئ للتحولات الإفريقية والعالمية:

في عالم ما بعد “داعش” وانهيار ليبيا وسوريا، لم يعد أحد يؤمن بالمشاريع الانفصالية. القارة الإفريقية نفسها تجرّعت كوارث جنوب السودان، وأدركت أن “تفتيت الدول” ليس طريقًا للحرية بل إلى الفوضى. غير أن الجزائر أصرّت على دعم كيان انفصالي صغير لا يتجاوز سكانه مئات الآلاف، متجاهلة أن العالم يتجه نحو منطق “الاستقرار قبل المبدأ.

الرهان الخاطئ على واشنطن:

ظنّ تبون أن مغازلة أمريكا بصفقات الغاز والعتاد العسكري ستُكسبه ودّ البيت الأبيض، متجاهلًا أن عودة دونالد ترامب إلى السلطة أعادت الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء إلى صدارة السياسة الخارجية الأمريكية. فالإدارة الجديدة ليست معنية بالشعارات، بل بإنهاء النزاعات التي تُعيق التجارة والاستثمار.

بينما وسّع المغرب تحالفاته عبر إفريقيا والخليج وأوروبا، وجعل من “اتفاقات أبراهام” رافعة للتنمية الاقتصادية والدبلوماسية، ظلت الجزائر ترفع شعار “المقاومة” في وجه الجميع، حتى وجدت نفسها معزولة من أقرب حلفائها. روسيا تتعامل معها ببرود، الصين تفضّل الحياد، ومجموعة “البريكس” لم تفتح لها الباب إلا في الهامش.

لقد خسر النظام الجزائري صداقة القاهرة والرياض وأبوظبي، بل حتى بعض العواصم الإفريقية التي كانت تدعمه في الملف الصحراوي بدأت تميل نحو الموقف المغربي، إيمانًا بأن “الحكم الذاتي الواقعي” أفضل من “دولة وهمية” في الخيال السياسي الجزائري.

ما ينتظر الجزائر في نهاية أكتوبر ليس إذلالًا وطنيًا، بل لحظة تحرر من كابوس الوهم. فالقضية التي أرهقت الخزينة وألهت السياسة وأضعفت المجتمع ليست قدرًا جزائريًا، بل عبء نظامٍ يستخدمها لتمديد عمره. حين تسقط أسطورة “الصحراء كقضية وطنية”، سيفتح التاريخ صفحة جديدة تتيح للجزائريين مواجهة أسئلتهم الحقيقية:

أين الاقتصاد؟ أين الحرية؟ وأين الحلم المغاربي الذي وئدته جنرالات الماضي؟

إن سقوط خطاب العداء للمغرب سيكون البداية لا النهاية، لأن الشعوب المغاربية تدرك اليوم أن مصيرها واحد وأن “الوحدة” أقوى من “الانفصال”. وما سيحدث في نيويورك هذا الخريف ليس خسارةً للجزائر، بل نهاية مرحلة من الأكاذيب وبداية صحوة سياسية لا مفرّ منها.

 

عبده حقي


0 التعليقات: