الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الأحد، أكتوبر 26، 2025

قراءة يومية في المشهد السياسي بالمغرب : إعداد عبده حقي


قراءة تحليلية شاملة

تكشف الأخبار السياسية الواردة من مختلف المنابر المغربية عن مشهد سياسي يتحرك بثقة على ثلاث واجهات مترابطة: دبلوماسيةٍ هجوميةٍ تستند إلى الشرعية والمبادرة، وملفٍّ صحراوي يقترب من لحظة حسم تاريخية، وسجالٍ داخلي يعيد تشكيل توازنات القوى مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

على الصعيد الخارجي، يتّضح أن المغرب يواصل مراكمة الاعترافات الدولية بشرعية موقفه في الصحراء من خلال ما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية المنجز". فالمؤسسة الملكية تقود توجهاً ثابتاً يقوم على المزج بين العمق التاريخي والمقاربة التنموية الحديثة، الأمر الذي جعل الأقاليم الجنوبية نموذجاً عملياً للتنمية والاستقرار. هذا الواقع الميداني ساهم في تحويل الخطاب المغربي من الدفاع إلى الهجوم، حيث لم يعد المغرب يكتفي بتفنيد أطروحات خصومه، بل صار يقدم مشروعاً سيادياً قابلاً للتطبيق ومسنوداً بالتحولات الواقعية في الميدان.

في المقابل، تتسارع المؤشرات الدولية نحو ترسيخ خيار الحكم الذاتي كحلّ وحيد للنزاع، مع ازدياد الدعم الغربي الواضح للمغرب، سواء من الولايات المتحدة أو من دول أوروبية كبلجيكا وإسبانيا وألمانيا. هذا التوجه الجديد يعكس انتقال النقاش العالمي من “إدارة الأزمة” إلى “إدارة الحل”، ما يعني أن مرحلة الغموض السياسي تفسح المجال لمرحلة الاعتراف العملي بمغربية الصحراء.

أما إقليمياً، فتبرز مجدداً جهود الوساطة الأمريكية لإعادة الدفء إلى العلاقات المغربية-الجزائرية بعد سنوات من الجمود. ورغم أن الرباط تُبدي استعدادها الدائم للحوار على قاعدة حسن الجوار، إلا أن غياب التجاوب المقابل يجعل عملية المصالحة رهينة لحسابات داخلية في الجزائر أكثر منها لاعتبارات إقليمية. ومع ذلك، يُظهر المغرب حرصاً على الحفاظ على منسوبٍ ثابت من التوازن والواقعية في خطابه الدبلوماسي، مما يعزز صورته كفاعل مسؤول في شمال إفريقيا.

داخلياً، تشهد الساحة المغربية سجالاً حزبياً متجدداً حول السياسات الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً في ظل إعداد قانون المالية الجديد. الأحزاب المعارضة ترفع نبرة انتقاداتها للحكومة، بينما تراهن الأغلبية على إبراز إنجازاتها في مجالات الحماية الاجتماعية والاستثمار والبنية التحتية. هذا التفاعل، رغم حدّته، يدل على حيوية سياسية تسعى إلى تجديد مضمون العمل الحزبي أكثر مما تعبّر عن أزمة في النظام السياسي نفسه.

ومن الزاوية الاقتصادية-الدبلوماسية، تتقاطع المؤشرات لتؤكد أن المغرب يسعى لتقديم نفسه كقطبٍ إقليمي للأعمال والاستقرار في إفريقيا والمتوسط، من خلال جذب الاستثمارات وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع القوى الكبرى. فالدبلوماسية الاقتصادية باتت مكملاً طبيعياً للدبلوماسية السياسية، تُسهم في توسيع دوائر النفوذ وتثبيت المصالح المشتركة.

إن القراءة المتأنية لهذا المشهد تؤكد أن المغرب يمضي بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانته كقوة إقليمية ناعمة تجمع بين الواقعية السياسية والتنمية الملموسة. فبين حراكٍ دبلوماسي واسع وورشٍ اجتماعية داخلية مفتوحة، تتبلور ملامح نموذج مغربي في الحكم والسياسة يوازن بين الهوية الوطنية والانفتاح على العالم، ويحوّل التحديات الإقليمية إلى فرص لتثبيت الاستقرار والنفوذ.

هكذا يبدو المشهد السياسي المغربي اليوم: لوحة متناسقة من الواقعية والإصرار، ومن الحضور الإقليمي القوي والدينامية الداخلية المتجددة. وبينما يستعد المغرب لعبور مرحلة جديدة من تاريخه السياسي، يبقى الرهان الأكبر هو تحويل هذا الزخم الدبلوماسي والتنمية الاقتصادية إلى بناء مؤسسي مستدام يعزز مكانة المملكة في محيطها القاري والدولي.

— عبده حقي


0 التعليقات: