في عصر تتسابق فيه الأخبار عبر الشاشات بأسرع من الضوء، لم تعد الحقيقة تُلتقط من مصدر موثوق، بل تُصاد أحيانًا بين شباك التزييف والتهويل. فقد أظهرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، على سبيل المثال، كيف يمكن للأخبار المضللة أن تتحول إلى أدوات للتأثير السياسي، حين استُخدمت منصات التواصل الاجتماعي كسلاح خفي في معركة الرأي العام.
لقد أضحت هذه المنصات، التي وُلدت لتقريب المسافات وتوسيع أفق النقاش، أحد أكبر التهديدات التي تُواجه الشفافية والمصداقية في المجال العام. ويعود ذلك، جزئيًا، إلى التطور الهائل في أدوات الذكاء الاصطناعي التي باتت تُستخدم لصناعة محتوى زائف بدقة يصعب تمييزها عن الحقيقة.
وفي ظل هذا الواقع
المعقد، يصبح لزامًا علينا أن نُعيد النظر في طريقة تعاملنا مع الأخبار التي تصلنا.
فالتفاعل العفوي والسريع مع كل ما يُنشر قد يجعلنا – دون وعي – جزءًا من ماكينة الترويج
للمعلومات الكاذبة. وفي ما يلي بعض المبادئ الجوهرية التي قد تساعد في كشف زيف المحتوى
المنتشر على الشبكات:
«العناوين
المثيرة: طُعم للتضليل»
غالبًا ما تُستخدم
العناوين الصاخبة كوسيلة لجذب القارئ، دون أن يكون لها ارتباط حقيقي بمضمون المقال.
لذلك، ينبغي الحذر من العبارات المبالغ فيها، خاصة تلك التي تبدو مثيرة للدهشة أو مثقلة
بالعواطف الجياشة. العنوان الذي يبدو وكأنه يستهدف غريزة الفضول أو الخوف، يستحق دومًا
أن نتوقف أمامه قبل مشاركته أو حتى تصديقه.
«الحسابات
الآلية: ظلال رقمية بدون ملامح»
ليست كل الحسابات التي
تنشر الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي تعود لأشخاص حقيقيين. فهناك روبوتات تُنشأ
خصيصًا لبث الرسائل الدعائية أو المضللة. ويمكن التعرف عليها من خلال سمات محددة، مثل
غياب صورة حقيقية للملف الشخصي، أو النشر المستمر بوتيرة غير بشرية، أو التفاعل المفرط
مع موضوعات بعينها دون تعليق أو تفكير نقدي. إن وعي المستخدم بهذه التفاصيل قد يُجنبه
الوقوع ضحية لحملة موجهة.
«روابط
مشبوهة: أفخاخ رقمية متنكرة»
في كثير من الحالات،
تُستخدم الروابط المزيفة كوسيلة لتحويل المستخدم إلى مواقع مغرضة. وغالبًا ما تحمل
هذه الروابط أسماء شبيهة بمنصات إعلامية معروفة، لكنها تختلف في تفاصيل صغيرة، مثل
الامتداد.net
بدلاً من .com. لذلك، من الحكمة التحقق من صحة الرابط قبل
النقر عليه، وعدم الانجرار وراء العناوين دون فحص الخلفية التقنية للصفحة.
«العقل
النقدي: درع الحماية الأول»
في نهاية المطاف، تبقى
المسؤولية الأخلاقية على عاتق المستخدم. فالمشاركة التلقائية للمحتوى دون قراءته أو
التحقق من صحته تساهم في تضخيم الأخبار الكاذبة. وهذا لا يعني أن نُقصي كل المصادر
الجديدة أو غير التقليدية، بل أن نُحسن التمييز بينها وبين محاولات التضليل المتعمدة.
ليست جميع الأصوات
التي لا تحمل شارة التوثيق عديمة القيمة. فالكثير من الأفراد المستقلين، من صحفيين
وباحثين وخبراء، يقدمون محتوى عالي الجودة. لكن في المقابل، ينبغي توخي الحذر من
"الذئاب الرقمية" التي تتخفى خلف أقنعة الحسابات الزائفة لتصنع عالماً من
الأوهام.
إن إعادة بناء الثقة
في وسائل التواصل الاجتماعي تبدأ من سلوك الفرد، ومن قدرته على التفكير النقدي، ووعيه
بأن المعلومة التي يتلقاها قد تكون جزءًا من مشروع تضليل أوسع. فالمعركة مع الأخبار
الزائفة ليست معركة تقنية فحسب، بل هي معركة قيم، ووعي، وحرص جماعي على صيانة الفضاء
الرقمي من كل ما يُخِلُّ بنزاهته.
0 التعليقات:
إرسال تعليق