في أمسية أدبية حملت الكثير من الدلالات، تُوّج الكاتب المصري محمد سمير ندا بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الثامنة عشرة عن عمله الروائي اللافت "صلاة القلق"، الصادر عن منشورات ميسكلياني، ليحفر اسمه بين أبرز روائيي العالم العربي المعاصرين. وقد جاء الإعلان عن فوزه مساء الخميس خلال حفل أقيم في العاصمة الإماراتية أبوظبي، عشية افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب في نسخته الرابعة والثلاثين.
لجنة التحكيم، المكوّنة
من خمسة أسماء أكاديمية ونقدية لامعة، اختارت "صلاة القلق" من بين 124 عملاً
روائياً تقدمت لنيل الجائزة هذا العام. وضمت اللجنة: منى بيكر، الباحثة المصرية المرموقة،
التي ترأست اللجنة، إلى جانب اللبناني بلال الأرفه لي، والمترجم الفنلندي سامبسا بلتونن،
والمغربي سعيد بنكراد، والإماراتية مريم الهاشمي.
جاءت الرواية الفائزة،
التي نُشرت بين يوليو 2023 ويونيو 2024، لتتفوّق على قائمة طويلة ضمت ستة عشر عملاً
عربياً، قبل أن تبلغ القائمة القصيرة ست روايات، منها أعمال للروائي الموريتاني أحمد
فال الدين، والعراقي أزهر جرجيس، والسوري تيسير خلف، واللبنانية حنين الصايغ، والإماراتية
نادية النجار، إلى جانب رواية ندا.
في كلمة مسجلة سبقت
إعلان فوزه، عبّر محمد سمير ندا عن خصوصية عمله الروائي هذا، قائلاً: "هي روايتي
الثالثة، وتتناول فكرة اختطاف العقول وتشكيل وعي جمعي بديل للتاريخ الحقيقي."
وأضاف متسائلاً: "هل عاشت هذه الشخصيات في زمن موازي خُلق خصيصاً لها؟ هل كانت
تلك التجربة لصالحهم أم ضدهم؟ هذه هي الأسئلة التي تسعى الرواية للإجابة عنها."
اللافت في الرواية،
بحسب لجنة التحكيم، ليس فقط موضوعها الجريء الذي يلامس قضايا الوعي والوجود، بل أيضاً
لغتها المتأنقة التي تزاوج بين الرمزية والشعرية. رئيسة اللجنة منى بيكر اعتبرت أن
"صلاة القلق" استطاعت أن تحول القلق إلى تجربة فنية وفكرية تمسّ القارئ في
أعماقه، وتوقظه على تساؤلات وجودية كبرى. وأضافت أن الرواية "لا تقف عند حدود
الجغرافيا، بل تنفتح على الإنساني المشترك، حيث تندمج الحقيقة بالوهم، والصوت بالصمت،
في تجربة قرائية نابضة."
من جانبه، عبّر ياسر
سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة، عن إعجابه العميق بالعمل، واصفاً الرواية بأنها
"آسرة في بنيتها، بديعة في لغتها، مفتوحة على تأويلات متعددة تجعل منها نصاً مؤهلاً
ليُدرج ضمن كلاسيكيات الأدب العربي المعاصر."
تُعتبر هذه هي المرة
الأولى منذ عام 2009 التي يحصد فيها كاتب مصري هذه الجائزة الرفيعة، كما أنها المرة
الأولى التي يدخل فيها ندا قوائم الجائزة، في إنجاز مضاعف يرسّخ مكانته الجديدة على
خارطة الرواية العربية.
ويُذكر أن الجائزة،
التي يرعاها مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، تبلغ
قيمتها المالية خمسين ألف دولار، فضلاً عن تمويل ترجمات الأعمال الفائزة والمُرشّحة
إلى لغات عالمية، ما يمنح هذه النصوص فرصة أكبر للوصول إلى القرّاء في مختلف أنحاء
العالم.
بهذا الفوز، يضع محمد
سمير ندا "صلاة القلق" في مصاف الروايات التي لا تُقرأ فقط، بل
تُفكّر وتُؤوّل وتُعيد
تشكيل أسئلة الوجود، لتفتح باباً جديداً نحو قراءة مغايرة ومشاغبة للتاريخ، والوعي،
والمعنى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق