الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، أبريل 09، 2025

هانا آرندت في "الحقيقة والسياسة" : ترجمة عبده حقي


تتناول مقالة حنة أرندت "الحقيقة والسياسة" الصادرة عام ١٩٦٧ العلاقة المعقدة بين الحقيقة والسلطة السياسية، مستكشفةً كيف يُمكن التلاعب بالحقائق الواقعية أو قمعها في الساحة السياسية. ولا يزال هذا العمل ذا أهمية بالغة، لا سيما في عصرنا الحالي الذي يشهد "الأخبار الكاذبة" و"الحقائق البديلة".

«السياق والخلفية»

كتبت أرندت مقالها "الحقيقة والسياسة" ردًا على الجدل الدائر حول عملها السابق "أيخمان في القدس"، والذي أثار جدلًا حادًا حول تصويرها لأدولف أيخمان ومفهومها عن "تفاهة الشر". دفع هذا الاعتراض أرندت إلى التأمل في طبيعة الحقيقة في المجال السياسي والتحديات التي يواجهها من يقولون الحقيقة.

«التمييز بين أنواع الحقيقة»

في مقالها، تُفرّق أرندت بين شكلين رئيسيين للحقيقة:

1. «الحقائق العقلانية»: وهي حقائق عالمية وبديهية، مثل المبادئ الرياضية أو الفلسفية. وهي مستقلة عن الفعل البشري وتبقى ثابتة على مر الزمن.

2. «الحقائق الواقعية»: وهي تتعلق بالأحداث التاريخية والواقع التجريبي. إنها تتوقف على الأفعال البشرية، ويمكن تغييرها أو طمسها من خلال التضليل أو الأكاذيب المتعمدة.

تؤكد أرندت أنه بينما تقاوم الحقائق العقلانية عمومًا التأثير السياسي، فإن الحقائق الواقعية عرضة للتشويه، لا سيما عندما تتعارض مع مصالح أصحاب السلطة.

«هشاشة الحقائق الواقعية»

تقول أرندت بأن الحقائق الواقعية عرضة بشكل خاص للتلاعب في المجال السياسي. وتلاحظ أنه "لم يتسامح أي عصر سابق مع هذا الكم الهائل من الآراء المتنوعة في المسائل الدينية والفلسفية"، ومع ذلك، فإن الحقيقة الواقعية، عندما تعارض مصالح جماعة ما، "تُستقبل اليوم بعداء أكبر من أي وقت مضى".

غالبًا ما ينطوي هذا التلاعب على تحويل الحقائق غير الملائمة إلى مجرد آراء، مما يُقوّض صحتها الموضوعية. من خلال طمس الخط الفاصل بين الحقيقة والرأي، يمكن للفاعلين السياسيين تجاهل الحقائق الواقعية التي تتحدى سلطتهم أو أجندتهم.

«دور الأكاذيب في السياسة»

تشير أرندت إلى أن الكذب كان يُعتبر تاريخيًا أداةً مشروعةً في السياسة، يستخدمها السياسيون ورجال الدولة. وتؤكد أن "الصدق لم يُحسب قط من بين الفضائل السياسية، لأنه في الواقع لا يُسهم إلا قليلاً في تغيير العالم والظروف".

في العصر الحديث، تطور نطاق الأكاذيب السياسية وتعقيدها، لا سيما مع ظهور وسائل الإعلام الجماهيرية وأساليب الدعاية. تُسلط أرندت الضوء على كيفية استخدام الأنظمة الشمولية للأكاذيب بشكل منهجي لإعادة كتابة التاريخ وتلفيق الحقائق، مما أدى فعليًا إلى تآكل شعور الجمهور بالحقيقة والواقع.

«عواقب تقويض الحقيقة»

لتراجع الحقيقة الواقعية آثارٌ عميقة على المشهد السياسي. عندما تُتلاعب بالحقائق أو تُنكر باستمرار، تتضاءل قدرة الجمهور على الانخراط في خطاب مُستنير، مما يؤدي إلى السخرية واللامبالاة. تُحذر أرندت من أن هذا التدهور في الحقيقة قد يُمهد الطريق للاستبداد، إذ يصبح المواطنون أكثر عرضة للتلاعب وأقل قدرة على محاسبة السلطة

«الأهمية في السياق المعاصر»

تُناسب رؤى أرندت بشكل لافت المناخ السياسي الحالي، حيث ساد انتشار المعلومات المضللة والتشكيك في الحقائق الموضوعية. ويُعكس مفهوم "سياسات ما بعد الحقيقة"، الذي يتميز بتجاهل الأدلة الواقعية لصالح النداءات العاطفية والمعتقدات الشخصية، مخاوف أرندت بشأن هشاشة الحقائق الواقعية في مواجهة الأجندات السياسية.

على سبيل المثال، يُسهم الانتشار المتعمد "للأخبار الكاذبة" ووصم التقارير الواقعية بالتحيز أو الزيف في تقويض ثقة الجمهور في وسائل الإعلام والمؤسسات. تعكس هذه الاستراتيجية التكتيكات التي وصفتها أرندت، حيث لا يقتصر الهدف على الترويج لأكاذيب محددة، بل يهدف أيضًا إلى خلق شعور عام بعدم اليقين وانعدام الثقة، مما يُصعّب على الجمهور التمييز بين الحقيقة والزيف.

«مسؤولية رواة الحقيقة»

تُشدد أرندت على الدور المحوري للأفراد والمؤسسات المُكرسة لدعم ونشر الحقائق الواقعية. وتُشدد على أن قول الحقيقة هو فعل سياسي بطبيعته، إذ إنه يُشكل تحديًا لهياكل السلطة ويتطلب المساءلة. ومع ذلك، غالبًا ما يواجه رواة الحقيقة مخاطر جسيمة، بما في ذلك التهميش والاضطهاد، مما يُبرز الشجاعة اللازمة للدفاع عن الحقيقة في بيئة مُسيّسة.

 

«الخاتمة»

يُمثل كتاب "الحقيقة والسياسة" استكشافًا مُعمّقًا للتوترات بين الحقيقة والسلطة. يكشف تحليل أرندت عن التحديات الكامنة في الحفاظ على سلامة الحقائق في المجال السياسي، والمخاطر التي يُمثلها التلاعب بالحقيقة. ويظل عملها موردًا حيويًا لفهم ديناميكيات الحقيقة.

في السياسة، ويؤكد على ضرورة اليقظة والنزاهة في مواجهة محاولات تشويه الواقع.

«قراءات وموارد إضافية»

للمهتمين بالتعمق في وجهات نظر أرندت حول الحقيقة والسياسة، تُقدم الموارد التالية رؤى قيّمة:

- أرندت، هانا. "الحقيقة والسياسة". *النيويوركر*، ٢٥ فبراير ١٩٦٧.

- هيل، سامانثا. "حديث الكتاب ٤٤: هانا أرندت بقلم سامانثا هيل". *شبكة الكتب الجديدة*، ٢٠٢١.

- "بين الماضي والمستقبل". *ويكيبيديا*، آخر تعديل فبراير ٢٠٢٥.

تقدم هذه المصادر تحليلات ومناقشات شاملة حول أعمال أرندت، مما يوفر سياقًا وتفسيرًا أعمق لأفكارها حول الحقيقة والسياسة.

0 التعليقات: