منذ انطلاقة الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت الأسئلة تتكاثر حول مستقبله، لا سيما حين يلامس عصبًا حساسًا في سوق العمل مثل البرمجة. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة للمبرمجين، بل بات يشق طريقه نحو دور أكثر استقلالًا، بل وأكثر طموحًا: أن يكون "مهندسًا رقميًا" قائمًا بذاته.
في مؤتمر نظمته مؤخرًا شركة "غولدمان ساكس"، تحدثت المديرة المالية لشركة أوبن آي، سارة فراير، عن نموذج جديد يدعى A-SWE، وهو وكيل ذكي مخصص للهندسة البرمجية. لم يكن حديثها عن أداة مساعدة تقليدية، بل عن كيان قادر على بناء تطبيقات من الصفر، تنفيذ اختبارات الجودة، تعقب الأخطاء، وحتى توثيق العمل؛ مهام طالما اشتكى منها المطورون، فها هو الذكاء الاصطناعي يتكفل بها بحماس لا يكلّ.
هذا التصريح فتح الباب
على مصراعيه أمام نقاش كبير: هل يجب أن يشعر المبرمجون بالقلق؟ هل تلوح في الأفق نهاية
زمن البرمجة اليدوية؟ يرى البعض أن الإجابة نعم، وعلى رأسهم آندي ثوراي، الخبير التقني
الذي يرى أن المرحلة القادمة ستشهد بقاء القادرين على التكيف، بينما يُستبعد الآخرون.
بالمقابل، لا يُخفى على أحد أن هناك مبرمجين اليوم ينجزون ما كان يستغرق أسابيع في
غضون ساعات بفضل هذه الأدوات، الأمر الذي يعيد تشكيل مشهد التوظيف في قطاع البرمجيات.
لكن الصورة ليست بهذه
القتامة في نظر الجميع. لوري شافير، المديرة التنفيذية لشركة "ديجيتال ويف"،
تقدم رؤية أكثر توازنًا؛ إذ ترى أن الذكاء الاصطناعي لا يقصي المطورين بل يعيد تشكيل
طبيعة دورهم. فبدلاً من الانشغال بكتابة كل سطر برمجي، سيصبح المبرمج مشرفًا ومراجعًا،
يتحكم في السياق، يوجه، ويضبط التفاصيل الدقيقة. هذه النقلة النوعية تشبه إلى حد ما
التحول من القيادة اليدوية إلى نظام القيادة الذاتية؛ التقنية تقوم بالجزء الشاق، والبشر
يظلون في مقعد المراقبة.
من جهة أخرى، يشير
نيل ساوتا، الرئيس التنفيذي لشركة ACSILab،
إلى محدوديات هذه الأدوات الذكية. فبينما تتمكن من كتابة تعليمات برمجية واضحة، فإنها
تفتقد إلى الوعي بالغرض من هذا الكود أو خلفياته الثقافية أو الأخلاقية. هو أشبه بطالب
نجيب يحلّ المسائل دون أن يدرك سبب وجودها أصلاً.
0 التعليقات:
إرسال تعليق