الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أبريل 20، 2025

"إنه زمن الأسود، صغارهم وكبارهم : عبده حقي


لا أنكر أنني تأثرت كثيرا. نعم، اقشعر جلدي وأنا أتابع ذلك المشهد الذي سيظل محفوراً في ذاكرتي وذاكرة كل مغربي: لحظة تتويج منتخبنا الوطني لأقل من 17 سنة بكأس إفريقيا لأول مرة في تاريخنا الكروي. لم تكن تلك مجرد لحظة رياضية عابرة، بل كانت إعلاناً عن ولادة جيل جديد، جيل يلعب بروح الأسود الصغار وعيناه على المجد، لا يخاف المنافس، ولا يرضى بأقل من القمة.

منذ صافرة البداية إلى لحظة رفع الكأس، كنتُ أشاهد المباراة بقلب طفل يتنفس الحلم وبتجربة مشجع يعرف كم كانت الطريق شاقة، وكم عشنا خيبات في الماضي. لكن هؤلاء الأشبال، ببراءتهم الجريئة وبأسلوب لعبهم المنظم، جعلونا نؤمن من جديد أن الكرة المغربية ليست وهماً لحظياً، بل مشروع ممتد تتناغم فيه المواهب مع الرؤية، والحماس مع التخطيط.

كنت أتابعهم وهم يواجهون منتخبات قوية بكل ثقة، يمررون الكرة برهافة وإبداع كما يمرر الشاعر بيتاً . لم يكونوا صغاراً في أعمارهم فقط، بل كباراً في أدائهم، كباراً في التزامهم، كباراً في طموحاتهم. وهنا، في داخلي، بدأ سؤال يتردد: هل يكون هذا اللقب دافعاً لمنتخب الكبار؟ هل سيشعل في صدور لاعبي المنتخب الوطني الأول، بقيادة أشرف حكيمي ورفاقه، نار الحلم بإحراز كأس إفريقيا للأمم؟

لأكون صريحاً، لقد تأملت كثيراً ملامح حكيمي وهو يتابع إنجاز الأشبال عبر حسابه في إنستغرام، وتعليقه المشجع، وكأن الرسالة وصلت إليه وإلى المدرب وليد الركراكي: "الجيل القادم قادم بقوة، فهل أنتم مستعدون لتسليمهم الراية مكللة بالذهب؟" وأكاد أقول بثقة، نعم، هناك رياح تغيير تهب من الجنوب، من أكاديميات التكوين، من البنية التحتية التي بدأت تؤتي أكلها، من سياسة كروية وطنية صارت تعرف ماذا تريد.

لكن الأهم من كل هذا، أن هذا التتويج أعاد لنا نحن الجماهير الإيمان بأن النجاح ليس قدراً محفوظاً لغيرنا. لقد أصبحنا نتذوق طعم الانتصار بأعمار مختلفة، وبألوان مغربية صافية، بعيداً عن الشعارات الجوفاء أو التعويل على الحظ. إن رؤية هذا الجيل الصاعد ينتصر، يجعلنا نؤمن أن المنتخب الأول لا عذر له إن لم يواصل المسار بنفس الروح، بنفس الانضباط، وبنفس الإصرار على تحقيق المجد.

لست ممن يغرقون في المثالية، وأعلم أن منتخب الكبار سيواجه خصوماً شرسين، وتحديات تقنية وبدنية هائلة في كأس إفريقيا المقبلة، لكنني أيضاً لست ممن يستسلمون بسهولة. لدينا أسماء تلعب في أقوى الدوريات، لدينا مدرب بثقافة الفوز والتحدي، ولدينا شعب ينتظر بفارغ الصبر أن يرى العلم المغربي يُرفع مرة أخرى فوق منصات التتويج.

الكرة، كما قال الأسطورة نيلسون مانديلا، "تمتلك القدرة على توحيد الشعوب بطريقة لا يمكن لشيء آخر أن يفعلها". وهذا ما فعله منتخب أقل من 17 سنة. وحدنا من طنجة إلى الكويرة، جعلنا نحتفل في الدار البيضاء كما في فاس، نبكي فرحاً في وجدة كما في العيون. جعلنا نحلم كأطفال، ونؤمن كرجال ونساء بأن المستقبل قابل للإنجاز، لا مستحيل فيه.

أعرف أن التتويج لا يعني نهاية الرحلة بل بدايتها. وأعرف أيضاً أن الضغط سيكون مضاعفاً الآن على المنتخب الأول، فالجماهير لن تقبل بأقل من لقب طال انتظاره منذ سنة 1976. ولكنني متفائل، لأنني رأيت كيف يُصنع المجد بعرق الميدان لا بوعود المؤتمرات الصحفية. رأيتُ منتخباً يلعب كرة حديثة، بروح قتالية، دون أن يفقد لمسته الفنية المغربية الخاصة.

رسالتي إلى أشرف حكيمي وزملائه واضحة: لقد منحكم الصغار خارطة الطريق، فتحوا لكم بوابة الأمل، وأثبتوا أن القارة الإفريقية ليست حكراً على نيجيريا أو السنغال أو الكاميرون. فلتكن كأس الأشبال نداءً لكم بأن المجد لا يورث، بل يُنتزع، وأن الكأس الكبرى تنتظر من يجرؤ على الحلم.

أقف اليوم أمام التلفاز، وأتخيل لحظة رفع الكأس الإفريقية في يد قائد المنتخب الأول، بينما يهتف الملايين في كل شوارع المغرب. أسترجع تلك اللحظة التي بكيتُ فيها قبل أيام، وأقول لنفسي: "إنه زمن الأسود، صغارهم وكبارهم، زمنٌ لا يعرف الخوف، ولا يعترف بالمستحيل."

فهل يفعلها الكبار؟ لا أدري، ولكنني مؤمن أنهم يستطيعون.

0 التعليقات: