نحن، سكان غزة، أبناء الركام والرماد، من وسط ليل لا ينام إلا على قصف، ولا يصحو إلا على أنين، نكتب إليكم — إلى جلالة الملك محمد السادس، وإلى شعب المغرب الشقيق — هذه الكلمات وقد أرهقتنا الحرب، لكن لم تهزمنا الكرامة.
نحن الذين عايشنا الخوف كما تعايشنا الحب، نعلم تمامًا معنى الوفاء. ونعلم أيضًا أنكم، أنتم أبناء الأطلس، كنتم دائمًا هناك: لا تغيبون عن مشهد الحق، ولا تصمتون حين يعلو الظلم. نعرف أن فلسطين، بأرضها ودمها، تسكن قلب كل مغربي، كما تسكن في نبض من يمشي فوق ترابها. ويكفينا فخرًا أن جلالتكم كنتم ولا تزالون المدافع الأول عن حقنا، الصوت الصادق في زمن تتكاثر فيه الأصوات المتاجرة بالقضية.
يا جلالة الملك، ويا
إخوتنا المغاربة، نحن نُدرك أن هناك من يحاول، في هذا الزمن المليء بالتشويش، أن يزرع
الشوك في حقل التضامن. ونشعر بالحزن العميق والأسى حين تطالعنا الأخبار عن تصرفات مشينة،
من بعض الأفراد الذين زعموا أنهم يتحدثون باسم فلسطين، لكنهم في الحقيقة لا يمثلوننا،
لا في روحنا، ولا في نبضنا، ولا في دمنا. لقد أساءوا إلى رمز من رموز الاحترام العربي،
أساءوا إليكم، ونحن نرفض ونستنكر هذا بقوة.
نحن نعلنها واضحة لا
لبس فيها: هؤلاء لا ينطقون باسمنا، ولا يعبرون عن ضميرنا، ولا يعكسون موقف شعبنا الفلسطيني
الذي يعرف جيدًا من وقف بجانبه في أصعب اللحظات. لقد آلمنا أن نُجرَّ إلى دائرة الاتهام
بسبب تصرفات فردية لا تستند إلى أخلاقنا، ولا تنتمي إلى ثقافتنا، ولا تعكس وجداننا.
نعلم أن العلاقات بين
فلسطين والمغرب ليست مجرد علاقات سياسية عابرة، بل هي روابط تاريخية وإنسانية وثقافية
ممتدة في الزمن. المغاربة الذين لبوا نداء القدس، وشاركوا في الدفاع عنها منذ قرون،
هم نفسهم الذين احتضنوا القضية الفلسطينية في مدارسهم، ومساجدهم، وصحفهم، وأحزابهم.
وأنتم، في المغرب، لم تفرّقوا بين غزة والقدس، ولا بين اللاجئ والمقاوم، بل اعتبرتم
أن قضيتنا قضيتكم، وألمنا من آلامكم.
لهذا نحن نخاطب اليوم
وجدان الشعب المغربي الكريم، ونقول له: نحن أبناء غزة لا ننسى، ولا نبدّل جلدنا، ولا
نتخلى عن من ساندنا. نحن من عشنا المحن، ومررنا في سنوات الجوع، كنا نعرف أن هناك صوتًا
من بعيد، قادمًا من الرباط أو فاس أو الدار البيضاء، لا يزال يردد: فلسطين في القلب.
لقد كنا نستشعر هذا
الحب في قوافل المساعدات التي وصلت إلينا، في البيانات الرسمية التي نطقت باسم قضيتنا،
في مواقفكم الثابتة داخل الأمم المتحدة، وفي كل بادرة تضامن لم تتأثر بعواصف السياسة
ولا بتقلبات الجغرافيا.
ونقولها صراحة، دون
تردد أو خجل: من تطاول على المقام الشريف لجلالة الملك لا يمثلنا. من حاول النيل من
رموزكم لا يعرف قيمة الاحترام، ولا يفهم أن الكرامة العربية واحدة، وأن الإساءة إلى
ملك المغرب هي إساءة لفلسطين ذاتها، لأنكم أنتم ونحن على ضفتي الكرامة.
وإذ نعبّر عن غضبنا
تجاه هذه التصرفات الفردية، فإننا ندعو إلى عدم الخلط بين فعل فرد متهور، وبين شعب
بأكمله لا يزال يعلّق الأمل على تواصل الدعم المغربي، ويحتفظ في ذاكرته بكل لحظة أخوّة،
وكل كلمة دعم، وكل وقفة نُبل.
يا أهل المغرب، لا
تسمحوا أن تهدم هذه الزلات الفردية جدار المحبة الذي بنيناه معًا على مدار عقود. نحن
معكم، في الموقف، وفي الحلم، وفي السعي إلى عالم عربي لا يكون فيه التضامن شعارًا فقط،
بل ممارسة يومية تُنقذ الإنسان من اليأس.
وإيمانًا منا بوحدة
الشعوب وقيم السيادة، نؤكد من قلب غزة، ومن بين الأنقاض والصواريخ، دعمنا الكامل للوحدة
الترابية للمملكة المغربية، ورفضنا القاطع لكل محاولات المساس بها. فكما نطالب باسترجاع
أرضنا المسلوبة وحقنا المشروع في إقامة دولتنا المستقلة، نؤمن أيضًا أن المغرب في صحرائه،
والصحراء في مغربها، حقيقة لا يمكن التشكيك فيها ولا التلاعب بها.
ونعبر بوضوح عن دعمنا
لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة المغربية، باعتباره حلاً واقعيًا وسلميًا
يحفظ كرامة الجميع، ويقطع الطريق أمام تجار الانفصال وعرابي التفرقة. لقد تابعنا كيف
تبنّى هذا المقترح العديد من الدول الصديقة، وندرك أنه يشكل نموذجًا للتسوية العادلة
التي تحترم السيادة وتحقق التنمية.
جلالة الملك، نحن نعلم
أن عرشكم مرفوع على المحبة، ونعلم أن قلوب المغاربة تتسع لكل جراحنا. لهذا نطلب منكم
أن تستمروا في هذا النهج النبيل، وأن تقفوا كما عهدناكم، صفًا واحدًا مع فلسطين، لأننا
نؤمن أن النخوة لا تُقاس بالخطابات، بل بالفعل الصادق، وأنتم كنتم دائمًا أصحاب الفعل.
وفي ختام هذه الرسالة،
نرفع أيدينا بالدعاء، لا من موقع التوسل، بل من موقع الأخوّة، بأن يحفظ الله المغرب
وأهله، ويزيد من عزّكم، وأن تبقى مواقفكم النبيلة تاجًا على رؤوسنا، لا يمسّه الغبار،
ولا تُطفئه العتمة.
من غزة، الجريحة ولكن
الصامدة، نبعث إليكم بشكر لا ينضب، ووفاء لا يخبو، وإخوة لا تتأثر بزمن الضجيج.
نحن أبناء غزة، ونحن
نحبكم، وندافع عنكم كما دافعتم عنّا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق