الولايات المتحدة الأمريكية
تدخل الجاليات العربية في الولايات المتحدة سنة 2025 وهي تتحرك داخل مشهد هجرة “ثنائي السرعة”: مسارات نظامية مستمرة (لمّ الشمل، الدراسة، العمل)، في مقابل تصعيد واضح في منطق الردع والصرامة على مستوى اللجوء والحدود والإنفاذ. وفي قلب
الصورة يظهر ملف الحماية المؤقتة لبعض الجنسيات العربية/الشرق أوسطية بوصفه مؤشرًا حساسًا: فالقضاء الفدرالي أوقف محاولة إنهاء TPS للسوريين بالنسبة لآلاف المستفيدين، ما يعكس حجم النزاع السياسي-القانوني حول من يستحق البقاء المؤقت والعمل القانوني.ديموغرافياً، لا توجد “كتلة عربية” واحدة متجانسة؛ بل فسيفساء أصول وهجرات. ويقدّم مكتب الإحصاء الأمريكي معطى مهمًا: 2.2 مليون شخص صرّحوا بأصل/نَسَب عربي في مسح ACS لسنة 2022، بينما تقدّر مؤسسات مجتمع مدني العدد الإجمالي للعرب الأمريكيين بأكثر من ذلك بكثير اعتماداً على منهجيات تعريف أوسع.
اقتصادياً، يظل العامل الحاسم هو الاستقرار القانوني: أي ارتباك في وضعية الإقامة (انتهاء حماية مؤقتة، تشدد في المقابلات، تأخر الملفات) ينعكس مباشرة على سوق العمل وملفات السكن والتأمين الصحي، خصوصاً للواصلين الجدد. واللافت في 2025 أن “سياسة الهجرة” لم تعد مجرد ملف خدماتي؛ بل ساحة مواجهة تمسّ الثقة في المؤسسات، كما تُظهر قضايا قضائية حديثة مرتبطة بالترحيل والاحتجاز.
المملكة المتحدة
في بريطانيا، عنوان المرحلة هو إعادة ترتيب الإطار القانوني للهجرة واللجوء. وثيقة حكومية مرتبطة بـ Border Security, Asylum and Immigration Act 2025 تشير إلى أن القانون الجديد ألغى/أوقف الإطار التشريعي المرتبط بخطة رواندا (Safety of Rwanda Act 2024) وألغى أجزاء من تشريعات سابقة، مع تقديم “حزم” إجراءات جديدة للحدود واللجوء.
بالنسبة للمهاجرين العرب، يبرز هنا أثران مباشران:
-
مناخ سياسي أكثر حدة حول “الترحيل” واتفاقات المعالجة في دول ثالثة، مع دفعٍ أوروبي-بريطاني لإعادة تفسير/تقييد بعض ضمانات اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية بما يسمح بتشدد أكبر في الإبعاد.
-
سوق عمل شديد الحساسية للوضع القانوني: أي تأخر في البت أو انتقال من مسار لآخر يخلق “فراغاً وظيفياً” قد يدفع البعض نحو اقتصاد غير نظامي.
ديموغرافياً، تقديرات تعداد 2021 في إنجلترا وويلز تُظهر أن فئة “Arab” بلغت 331,856 شخصاً (حوالي 0.6%)، وهو رقم مفيد لفهم حجم الجالية داخل أهم ثقل سكاني بالمملكة المتحدة، مع الانتباه أنه لا يشمل اسكتلندا وإيرلندا الشمالية بنفس تصنيف الجدول.
ألمانيا
ألمانيا كانت خلال السنوات الماضية إحدى أكبر ساحات اللجوء الأوروبية، وما زالت في 2025 لاعباً مركزياً. تقرير EUAA يشير إلى أن ألمانيا استقبلت حوالي 237 ألف طلب لجوء في 2024 (ضمن EU+)، ورغم الانخفاض مقارنة بالسنة السابقة، بقيت وجهة أولى في الاتحاد الموسّع للجوء.
لكن نهاية 2024/سنة 2025 حملت تحوّلاً شديد الحساسية للجاليات العربية، خصوصاً السورية: أوروبا بدأت تعيد تقييم سياسات الحماية للسوريين بعد التطورات السياسية في سوريا، مع نقاشات عن تعليق إجراءات، تشديد مراجعات، وربط الحماية بسؤال “هل ما تزال أسباب اللجوء قائمة؟”. هذه النقلة تخلق قلقاً كبيراً لدى أسر استثمرت سنوات في الاندماج والعمل.
الرقم الذي يفسّر ثقل القضية: تقديرات متداولة لوجود أكثر من مليون شخص ذوي خلفية سورية في ألمانيا (مع اختلاف التعريفات بين الجنسية/الأصل/خلفية الهجرة).
اجتماعياً، تشتد معارك السردية: الاندماج مقابل المخاوف الأمنية، وحاجة سوق العمل مقابل ضغط اليمين الشعبوي. وهذه التناقضات تضع “المهاجر العربي” في قلب الجدل العام، لا على هامشه.
إسبانيا
إسبانيا تُقدَّم في 2025 كحالة أوروبية مختلفة: اقتصاد يحتاج اليد العاملة، وحكومة تميل إلى قنوات إدماج/تقنين أوسع. المعطى الرسمي الأبرز: في 1 يناير 2025، 14.1% من السكان يحملون جنسية أجنبية و19.3% مولودون خارج إسبانيا؛ وخلال 2024 كان من أكبر ارتفاعات المقيمين الأجانب مواطني المغرب (+48,306).
على مستوى السياسات، تشير الحكومة الإسبانية إلى أثر واضح لتنظيمات/إصلاحات الهجرة: طلبات تصاريح الإقامة والعمل ارتفعت بنسبة 46.2% في فترة (ماي–أكتوبر) مقارنة بالفترة السابقة من 2025، في دلالة على توسع القنوات النظامية.
لكن في المقابل تظهر “منطقة رمادية” كبيرة: تقارير صحافية تتحدث عن مئات الآلاف ممن يعيشون بلا تسوية كاملة، ما يخلق هشاشة قانونية تدفع نحو عقود غير مستقرة وسكن صعب، حتى مع وجود مبادرات مدنية/اقتصادية تساعد على الانتقال من الهامش إلى الشرعية.
إيطاليا
إيطاليا تبقى “بوابة المتوسط” الأولى، وهذا ينعكس مباشرة على المهاجرين القادمين من بلدان عربية (خصوصاً شمال أفريقيا). بيانات UNHCR الخاصة بإيطاليا تشير إلى أنه خلال الأشهر السبعة الأولى من 2025 وصل 36,545 مهاجراً/لاجئاً بحراً (مقابل 33,480 في الفترة نفسها من العام السابق).
سياسياً، تتقاطع إيطاليا مع موجة أوروبية أوسع نحو تشديد العودة/الترحيل ومعالجة الملفات خارج الحدود. في هذا السياق، وثيقة من المفوضية الأوروبية تلخّص قانوناً جديداً (Law 187/2024) يتناول تدبير تدفقات الهجرة، الحماية الدولية، ومسارات العمالة ومكافحة الاستغلال، بما يعني أن “سوق العمل” و”الأمن الحدودي” صارا يُدارَان كحزمة واحدة.
ومع تسارع نقاشات “مراكز العودة” (Return hubs) على مستوى الاتحاد الأوروبي، تصبح إيطاليا مختبراً لهذه المقاربة التي قد تمسّ آلاف العرب بين من رُفضت ملفاتهم ومن يعيشون انتظاراً طويلاً.
روسيا
روسيا في 2025 تميل إلى تشديد أدوات الطرد والرقابة على الأجانب، في سياق أمني وسياسي أوسع. تقرير Global Detention Project يذكر دخول تشريع حيّز التنفيذ ينشئ “نظام طرد/إبعاد” يوسّع قدرة السلطات على الترحيل ويزيد القيود، مع مساحات أوسع لإجراءات دون رقابة قضائية تقليدية وفق قراءة التقرير.
وتوجد مؤشرات إضافية على تشدد إداري-اجتماعي، مثل قواعد مدرسية تربط تسجيل الأطفال الأجانب بوثائق الإقامة واختبارات لغة، بما يخلق ضغطاً مباشراً على الأسر المهاجرة ويحوّل المدرسة إلى “نقطة تفتيش مدنية”.
بالنسبة للمهاجرين العرب تحديداً، يتحدد الوضع حسب المسار: طلاب، عمال، أو لاجئون/حالات إنسانية أقل عدداً مقارنة بأوروبا الغربية. لكن “روح السياسة” تميل إلى تقليص الهشاشة القانونية عبر الردع، لا عبر التسوية، وهو ما يرفع مخاطر الاستغلال وصعوبة الوصول إلى خدمات مستقرة.
فرنسا
فرنسا تجمع بين حجم جاليات مغاربية/عربية كبير وبين نقاش سياسي متوتر حول الهوية والاندماج والحدود. رقم بنيوي مهم من INSEE: في 2023 كان 3.5 مليون مهاجر مولود في أفريقيا يعيشون في فرنسا، وهو ما يمثل 48% من مجموع المهاجرين (ما يجعل أفريقيا مصدر المنشأ الأول).
على مستوى اللجوء، تقرير AIDA/ECRE يذكر أن OFPRA سجّل 153,600 طلب لجوء في 2024، مع تسجيل 157,947 على مستوى التسجيل الإداري قبل ذلك.
أما التحول الأكثر تأثيراً على المهاجرين العرب في 2025 فهو تشديد “معايير الاندماج اللغوي” كشرط للبطاقات المتعددة السنوات والإقامة الطويلة الأمد والتجنيس ابتداءً من 2026، وفق شروحات رسمية/شبه رسمية مرتبطة بالتطبيقات التنظيمية والإدارية.
ويظهر أيضاً أثر “الشدّ الدبلوماسي” على ملفات الإبعاد، كما في توترات الترحيل مع الجزائر التي تتحول بسرعة إلى مادة سياسية داخلية تؤثر على الرأي العام وعلى شعور الجالية بالأمان الرمزي.
البرازيل
البرازيل ليست في صدارة النقاش العربي مثل أوروبا وأمريكا الشمالية، لكنها تكتسب أهمية متزايدة كوجهة بديلة أو محطة. وكالة Agência Brasil نقلت عن وزارة العدل البرازيلية أن 68,159 شخصاً تقدموا بطلب لجوء في 2024 بزيادة 16.3% عن العام السابق.
كما تشير مواد حكومية إلى نشاط لجنة CONARE في تسريع دراسة الملفات وتحسين البنية الإدارية للهجرة واللجوء.
بالنسبة للعرب، يظهر حضور تاريخي (سوري-لبناني بالأساس) وحضور جديد مرتبط بالأزمات الإقليمية. التحدي الأساسي في البرازيل ليس “رفضاً شعبوياً واسعاً” بقدر ما هو قدرة المدن على الاستقبال والخدمات (لغة، عمل، اعتراف بالشهادات)، ما يجعل الاندماج اقتصادياً أبطأ لمن يصل بلا شبكات دعم.
كندا
كندا تبدو أكثر انتظاماً في سياسات الهجرة، لكنها في 2025 تواجه ضغط الإسكان والخدمات، لذلك بدأت “تعاير” الأرقام بدل زيادتها بلا سقف. خطة IRCC لمستويات الهجرة (2025–2027) تضع أهدافاً واضحة، وللمرة الأولى تُدرِج أهدافاً تخص القادمين المؤقتين وتقليص نسبتهم.
كما نشرت الحكومة لاحقاً معلومات إضافية لخطة 2026–2028 تتضمن أهدافاً للقادمين المؤقتين وأفقاً لتخفيض نسبتهم من السكان خلال السنوات التالية.
ديموغرافياً، أصدرت Statistics Canada دراسة حديثة تُفيد بأن السكان ذوي الأصول العربية بلغوا 795,665 في 2021 (2.2% من سكان كندا)، مع توقعات بزيادة قوية حتى 2041.
في ملف اللاجئين، يؤكد تقرير نتائج IRCC أن كندا أعادت توطين أكثر من 49 ألف لاجئ في 2024، وهو رقم كبير عالمياً، لكن تتفاوت مدد المعالجة حسب المناطق والبرامج، ما ينعكس على لمّ شمل أسر عربية كثيرة تنتظر اكتمال الملفات.
خلاصة تركيبية
ما يجمع هذه الدول التسع في 2025 هو انتقال الهجرة من “ملف إداري” إلى ملف سيادي: حدود، أمن، سوق عمل، وديموغرافيا. لكن طريقة الإدارة تختلف:
-
أمريكا وبريطانيا: صراع قانوني/سياسي متصاعد حول اللجوء والحماية المؤقتة والإنفاذ.
-
ألمانيا/فرنسا/إيطاليا/إسبانيا: موجة أوروبية جديدة تُراهن على “التسريع” و”العودة” و”قوائم الدول الآمنة” و/أو “مراكز العودة” مع تباين في ميل كل دولة للتقنين أو التشديد.
-
روسيا: ترسانة ضبط/طرد أكثر حدّة تُحمّل الأسر كلفة مباشرة في التعليم والإقامة.
-
كندا والبرازيل: إدارة بالأرقام والخطط (كندا) أو توسع تدريجي مع تحديات الخدمات (البرازيل).








0 التعليقات:
إرسال تعليق