الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، أبريل 17، 2025

حين يمدُّ الحرس الثوري الإيراني ظلاله إلى مخيمات تندوف: عبده حقي


وأنا أتابع من بعيد ملامح اللقاءات السرّية بين الإيرانيين والأميركيين، لم أشعر بالدهشة قدر ما شعرت بالحذر. لم تكن مسألة الملف النووي الإيراني ما استوقفني، بل كان السؤال الذي ظل يراودني طيلة تلك الساعات الطويلة: لماذا لا يتحدث أحد عن السلوك الإيراني الإقليمي؟ لماذا يختزل الغرب، وفي طليعته الولايات المتحدة، إشكالية إيران في مجرد تخصيب اليورانيوم، ويغفل أن الأخطر من القنبلة هو اليد التي تمتد إلى خريطة الدول العربية؟

لقد رأينا كيف أن إدارة أوباما أغمضت عينيها عن هذه اليد الممدودة بالخراب، واستسلمت لسحر الاتفاق النووي الذي لم يُثنِ إيران عن تمويل الميليشيات الطائفية، ولا عن تبني الجماعات المسلحة، بل عزز رغبتها في التمدد كأنها تبتلع العالم على مهل، من الخليج إلى الضاحية، من صنعاء إلى دمشق، والآن، كما تكشف «واشنطن بوست»، نحو البوليساريو في تخوم الجزائر.

حين قرأت في تحقيق الصحيفة الأميركية أن إيران دربت عناصر من البوليساريو في الأراضي السورية، لم أفاجأ. كان منطق الأحداث يقود إلى ذلك. الأسد الذي سلّم بلاده للنفوذ الإيراني، وفتح مطاراته لطائرات الحرس الثوري، لا يُستبعد عنه أن يجعل من ترابه ملاذًا لتدريبات المرتزقة من أي مكان، ما دامت الأجندة مشتركة. الجزائر، التي دعمت هذا الفصيل الإرهابي وماتزال لعقود، وإيران، التي تبحث عن وكلاء في شمال إفريقيا، تلاقت مصالحهما في لحظة تهاوي وتضليل.

ما يقلقني ليس فقط وجود عناصر البوليساريو في معسكرات إيران، بل هروبهم لاحقًا إلى لبنان والعراق بعد سقوط القبضة السورية. نحن أمام خريطة أوسع مما نتصور. إن إيران لا تدرّب فقط من يحمل البندقية، بل تبني سرديات الهويات المهزومة، تعيد تشكيلها على مقاس "الهلال الشيعي"، وتغلفها بشعارات الممانعة التي سئمناها في نشرات الأخبار.

إذا كانت مسقط اليوم تحتضن جولة جديدة من المفاوضات بين طهران وواشنطن، فإن السؤال الحقيقي لا يجب أن يكون عن عدد أجهزة الطرد المركزي، بل عن عدد الأذرع التي تحركها إيران باسم الدين أو الثورة أو المظلومية، وعن نواياها في الإبقاء على هذه الفوضى التي تغذيها في كل زاوية من خريطة العرب. لا مفاوضات لها معنى إن لم تشمل سلوك إيران، وتحاسبها على ما ارتكبته من فتن وخراب.

لقد خسرت إيران الكثير. سقط مشروعها في سوريا مع دخول النظام في قبضة روسيا. حُوصر "حزب الله" في لبنان وسط أزمات مالية وانهيارات اجتماعية. انكشفت أوراق الحوثيين في اليمن تحت ضربات التحالف، وانكفأ مشروع الملالي في غزة بعد طوفان الأقصى، الذي ظنته طهران "ضربة معلم"، فإذا به يرتد عليها كالكابوس.

حتى العراق، ورغم استمرار نفوذ طهران عبر الحشد الشعبي، بدأ يتململ. الشارع يئن من الفساد والطائفية والتبعية. أما الجزائر، الحليف الصامت والصارخ في آن، فقد وجدت نفسها وحيدة في حربها الباردة ضد المغرب، حرب لا تنتهي إلا حين تسقط الأقنعة.

السؤال الآن: هل تدرك إدارة ترامب أن مفاوضاتها مع إيران ليست تقنية فقط، بل أخلاقية وجيوسياسية؟ هل تدرك أن الحرس الثوري لا يقل خطرًا عن برنامج نووي؟ وأن تصدير الثورة ليس مجرد خطاب فارغ، بل ممارسة قائمة على تحريك "أدوات" مثل البوليساريو، وتقويض سيادة الدول، وإشعال الحروب الهامشية في أطراف العالم العربي؟

إن المطلوب من واشنطن ألا تسير في نفس المسار الذي سلكته إدارة أوباما، حين اعتقدت أن الاتفاق النووي هو المفتاح، فإذا به يُغلق أبواب الحلول كلها. المطلوب أن يُطرح على طاولة مسقط سؤال محوري: ماذا تفعل إيران في أفريقيا؟ ولماذا تدعم جماعة انفصالية ضد المغرب، بينما تُلقي الخطب عن وحدة المسلمين؟

كل المؤشرات تدل على أن إيران أصبحت تفاوض من موقع ضعف لا قوة. لقد فقدت ركائز مشروعها واحدة تلو الأخرى، وهي اليوم لا تقاتل من أجل توسع، بل من أجل البقاء. أما مستقبلها فهو مرهون بقدرتها على الاعتراف بالفشل، وتفكيك منظومتها الميليشياوية، وإدراك أن العالم تغيّر.

من جهتي، أرى أن لحظة الحقيقة قد حانت. فإما أن تتوقف إيران عن تسليح الانفصال، وتفكيك المجتمعات، وتمزيق وحدة الدول، أو أن تستمر في النزيف حتى تنهار تمامًا. ليس من مصلحة أحد أن تتحول طهران إلى "كابول جديدة"، لكن الصبر العربي بلغ نهايته.

وإذا كان طوفان الأقصى قد كشف عن فشل إيران في فلسطين، فإن حرب الاستنزاف التي تديرها الجزائر ضد المغرب، بدعم إيراني صامت، ستنتهي أيضًا بانتصار الدبلوماسية المغربية، التي لم ترفع السلاح، لكنها امتلكت الشرعية. أما البوليساريو، فقد فقدت ما تبقى من أوراقها في صحراء الغموض.

0 التعليقات: