الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، مايو 08، 2025

"كشمير حين يتحوّل نبع المياه إلى فتيل حرب نووية" ترجمة عبده حقي


وسط الجبال المكسوة بالثلوج والبساتين التي كانت في ما مضى ملاذًا للعشاق والشعراء، عاد قطاع كشمير ليحتل العناوين الأولى، لا كوجهة سياحية، بل كبؤرة جديدة من التوتر بين دولتين نوويتين لطالما ظلتا على حافة الحرب منذ عقود .

إن تفجير 22 أبريل 2025 في منطقة باسالغام الذي أودى بحياة 26 شخصًا، معظمهم من السياح الهنود، فتح الباب مجددًا على مصراعيه أمام سيناريوهات التصعيد بين الهند وباكستان، البلدين اللذين لم يعرفا سلامًا مستقرًا منذ ولادتهما من رحم التقسيم الدموي عام 1947.

الهجوم، الذي سارعت نيودلهي إلى اتهام إسلام آباد بالوقوف وراءه عبر دعم جماعات مسلحة، لم يكن حادثًا معزولًا، بل فصلًا جديدًا في رواية كشمير التي لم تنتهِ منذ أكثر من سبعة عقود. الرواية التي بدأت حين قرر المهراجا الهندوسي لضاحية ذات أغلبية مسلمة الانضمام إلى الهند، فاشتعلت الحرب الأولى، وتبعها التقسيم والتدويل والوعود باستفتاء أممي لم يُنفذ قط، وظلت تبعاته ترخي بظلالها على كامل جنوب آسيا.

الهند، بقيادة ناريندرا مودي وحكومته ذات التوجه القومي الهندوسي، لم تتوانَ عن استخدام كشمير كورقة داخلية لتغذية خطابها الشعبوي وربح معاركها السياسية. فإلغاء الحكم الذاتي للمنطقة عام 2019، ثم فرض الحصار الأمني الشامل، كانا بمثابة إعلان غير مباشر عن انتهاء مرحلة "الحلول السلمية". ومع كل هجوم، مثل تفجير أبريل، وجدت الحكومة الهندية تبريرًا لمزيد من القبضة الأمنية، حتى لو كان الثمن هو تقويض ما تبقى من الحقوق الأساسية لسكان كشمير.

في المقابل، تعتبر باكستان أن كشمير ليست فقط قضية قومية، بل قضية هوية وشرعية تاريخية. الخطاب السياسي الباكستاني، منذ الجنرال ضياء الحق وحتى اليوم، ظل يرفع شعار "الظلم الهندي" في كشمير، مع ترك هامش واسع للجهات الدينية والمسلحة لتغذية هذا الصراع. لكن باكستان اليوم ليست باكستان الأمس. فالوضع الاقتصادي المتدهور، والتضخم، وأزمات الطاقة، تجعل من أي مواجهة عسكرية مباشرة مغامرة غير محسوبة العواقب، رغم خطابات التصعيد المتكررة.

الأخطر اليوم ليس مجرد تبادل الاتهامات، بل ما يرتبط به من ملفات استراتيجية شديدة الحساسية، وعلى رأسها «ملف المياه». فالهند، وبعد التفجير، أعلنت مراجعتها لاتفاقية تقاسم مياه نهر السند، وهو الاتفاق الذي وُقّع عام 1960 بوساطة البنك الدولي، وظل أحد أعمدة "السلام البارد" بين الجارين. تهديد نيودلهي بتقييد المياه المتدفقة نحو الأراضي الباكستانية يرقى إلى ما يشبه إعلان الحرب غير التقليدية، خصوصًا أن 90٪ من الزراعة الباكستانية تعتمد على هذا المورد الحيوي. المياه التي كانت تروي القمح والأرز، صارت اليوم سلاحًا تفاوضيًا في يد حكومة مودي.

الرد الباكستاني، وإن بدا إعلاميًا أكثر منه ميدانيًا حتى الآن، يعكس حجم المأزق. ففي ظل عجز الدولة عن مواجهة أزمة اقتصادية خانقة، تبقى الحرب آخر ما يحتاجه عمران خان أو أي خلف له. ومع ذلك، فإن الضغوط الشعبية والسياسية قد تدفع أي حكومة في إسلام آباد إلى التصعيد، ولو عبر وكلاء أو مجموعات غير نظامية، ما يعيد إنتاج سيناريوهات 1999 و2019 حين وقعت مواجهات جوية مباشرة بين البلدين.

الملف الأخطر، بطبيعة الحال، هو النووي. فرغم إدراك الجميع بأن استخدام هذا السلاح سيجلب الفناء لا النصر، فإن تصاعد التوتر وغياب وساطات فعّالة يفتح المجال دائمًا لـ"خطأ في الحسابات". وهذا ما عبّرت عنه تقارير دولية عديدة، منها تقرير "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي" الذي حذّر من أن منطقة كشمير قد تكون الموقع الأكثر عرضة لانفجار نووي نتيجة سوء تقدير عسكري.

في النهاية، كشمير ليست مجرد نزاع حدودي. إنها عقدة تتشابك فيها الجغرافيا بالتاريخ، والهوية بالموارد، والسياسة بالدين. والهجوم الأخير ليس سوى مرآة عاكسة لفشل الأطراف المعنية، إقليمية ودولية، في إيجاد تسوية دائمة وعادلة. وما لم يُكسر هذا النمط القائم على الاتهام والتصعيد، فإن السكان المدنيين — من كشميريين، هنود، وباكستانيين — سيظلون وقودًا لصراع لن يربح فيه أحد.

ترجمة عن موقع أرتي دوت كوم


0 التعليقات: