الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، مايو 08، 2025

من بوردو إلى الداخلة: الصحراء المغربية في قلب التحولات الإفريقية الأوروبية


استضافت مدينة بوردو الفرنسية ندوة سياسية وثقافية بمناسبة تقديم كتاب "الصحراء المغربية: أرض النور والمستقبل" من تأليف الأكاديمي الفرنسي السويسري **جان-ماري هايدت، بتنظيم من القنصلية العامة للمملكة المغربية وبالتعاون مع المعهد الثقافي الإفريقي. حضر الندوة نخبة من الباحثين والدبلوماسيين ورجال الأعمال وممثلي الجاليات، حيث سلطت العروض الضوء على الأهمية الجيوستراتيجية والاقتصادية للصحراء المغربية في الربط بين إفريقيا، أوروبا، وأمريكا اللاتينية.

الكاتب هايدت قدّم تحليلاً معمقاً حول الاندماج الفعلي للصحراء في الهوية المغربية والدور المحوري الذي تلعبه الأقاليم الجنوبية في تحقيق رؤية إفريقية حضارية وشراكات جنوب-جنوب مبتكرة، مستشهداً بمشاريع كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي. كما أبرز تطور قطاعات حيوية كالطاقة المتجددة والبنية التحتية والمصارف، في سياق التكامل الإفريقي-الأوروبي.

وتخللت الندوة مداخلات من مسؤولين أفارقة ومغاربة، من بينهم عبدو خضر صال من السنغال، الذي شدد على أهمية التعاون المغربي السنغالي، وأحمد كثير، مدير مركز الاستثمار الجهوي بالداخلة، الذي قدم تفاصيل عن مشاريع الطاقة الخضراء. كما دعا المتدخلون، مثل آلان دوبوي، إلى تعزيز التعاون اللامركزي بين المناطق الفرنسية والجهات الجنوبية المغربية في مجالات الاقتصاد والتعليم والسياحة.

وأكدت القنصل العامة نزهة الساحل على أن الصحراء المغربية تمثل اليوم نقطة ارتكاز استراتيجية تربط الأطلسي بإفريقيا والغرب، وتسهم في بناء مستقبل قائم على التنمية المشتركة والتكامل الإقليمي.

وفي رأيي إن هذا اللقاء في قلب فرنسا ليس مجرد حدث ثقافي عابر، بل هو انعكاس لتحول عميق في الرؤية الدولية تجاه مغربية الصحراء. إن ما قدّمه الأكاديمي هايدت يُعد اختراقاً علمياً وإعلامياً يؤكد على أن صوت العقل والوقائع بدأ يتغلّب على الشعارات البالية. الصحراء اليوم ليست ورقة نزاع، بل رافعة حقيقية للتنمية، ونقطة التقاء بين قارات تبحث عن استقرار طاقي وتجاري وثقافي.

حين يُحتفى بميناء الداخلة في قاعات بوردو، ويُتداول مشروع الهيدروجين الأخضر في نقاشات المؤسسات الفرنسية، فإننا أمام مرحلة جديدة من الاعتراف الضمني بمغربية الصحراء، لا بالخطابات فقط، بل بالاستثمار والتكامل العملي. هذه الندوة في حد ذاتها تجسيد لصوت الصحراء حين يتحدث بلغة المستقبل، لا الماضي.

0 التعليقات: