تتواتر في الآونة الأخيرة عدة بيانات وتصريحات من جبهة البوليساريو وداعميها التقليديين، تتضمن اتهامات متكررة للمغرب بشأن الأوضاع الحقوقية والتنموية في أقاليمه الجنوبية، وتحديداً في الصحراء المغربية. إلا أن هذه المزاعم سرعان ما تتبدد عند مواجهتها بالحقائق الميدانية والمشاريع الكبرى التي تشهدها المنطقة، مدعومة بشراكات دولية، من ضمنها فرنسا التي أعلنت مؤخرًا عن استثمار 150 مليون يورو عبر الوكالة الفرنسية للتنمية في مشاريع تنموية بهذه الأقاليم.
هذا الدعم الفرنسي، رغم استياء بعض الأطراف المتعاطفة مع أطروحة الانفصال، يعكس اعترافاً صريحاً باستقرار المنطقة وجدوى النموذج التنموي الذي تبنته المملكة المغربية، والذي لا يقتصر على البنية التحتية فقط، بل يمتد إلى التنمية البشرية وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. يُذكر أن هذه الاستثمارات تأتي استكمالاً لخطة النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية الذي أطلقه الملك محمد السادس منذ 2015، والذي حوّل الصحراء المغربية إلى قطب اقتصادي ولوجستي يربط بين المغرب وعمقه الإفريقي.
في مقابل هذه الدينامية التنموية، تواصل البوليساريو تسويق مزاعم بشأن "السجناء السياسيين الصحراويين"، وهي رواية تتكرر في المحافل الحقوقية، وكان آخرها خلال جلسة اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان في بانجول. غير أن هذه الادعاءات تتجاهل المعايير القضائية المغربية التي تحكم محاكمة كل من يثبت تورطه في أفعال تمس بالأمن العام، أياً كانت هويته أو توجهه السياسي. كما أن مؤسسات المملكة، بما فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تُصدر تقارير دورية وتوصيات تُناقش علناً وتلقى تجاوبًا حكوميًا واضحًا.
وبالتوازي مع هذه الحملات، تستمر جهات موالية للبوليساريو في استغلال منابر أوروبية ودولية، مثل المنتدى الأوروبي للشباب والمقررين الخاصين في لجان الاتحاد الإفريقي، لترويج خطاب "تقرير المصير" في سياق يتجاهل واقع المخيمات التي تعاني التهميش والقمع، حيث تمنع ساكنتها من العودة الطوعية إلى أرض الوطن، وتُخضع لحصار فكري وأمني قاسٍ في تندوف تحت إشراف مباشر من النظام الجزائري.
ومن بين أكثر الأوجه التي تكشف ازدواجية الخطاب الانفصالي، تلك التصريحات التي تمجد دور "المرأة الصحراوية في مقاومة الاحتلال المغربي"، والتي تتجاهل الحضور الفعّال للنساء في الأقاليم الجنوبية للمملكة في جميع مناحي الحياة العامة، سواء في المجالس المنتخبة أو المجتمع المدني أو المشهد الثقافي، مما يؤكد أن التنمية في الصحراء المغربية تشمل النهوض بأوضاع المرأة لا استخدامها كشعارات.
أما زيارة الوفد الجنوب إفريقي إلى مخيمات تندوف، وتضامن جبهة فارابوندو مارتي السلفادورية، فلا تخرج عن سياق التعبئة الأيديولوجية التي تغذيها الجزائر، والتي تحاول من خلالها إحياء صدى حركة عدم الانحياز على حساب واقع إنساني وإنمائي مؤلم يعيشه اللاجئون الصحراويون في المخيمات، حيث لا يُسمح لهم حتى بإجراء إحصاء أممي مستقل منذ أكثر من أربعة عقود.
التحركات التي شهدتها مدن إسبانية دعماً لمعتقلي البوليساريو تندرج بدورها ضمن محاولة تدويل قضية حقوقية، تُطرح من منظور سياسي محض، في تجاهل تام للإصلاحات الحقوقية والقضائية التي عرفها المغرب، والتي نوهت بها تقارير أممية مستقلة، منها تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
أما الجزائر، فبيانها في بانجول المؤكد "لدعم حقوق اللاجئين الصحراويين"، لا يمكن فصله عن دورها التاريخي في افتعال النزاع، واستغلال قضية اللاجئين لتبرير التدخل السياسي والدبلوماسي ضد المغرب. وهو دعم يحمل طابعاً انتقائياً، إذ لا يترافق مع أي جهد ملموس لتحسين ظروف العيش في المخيمات أو تمكين ساكنتها من اختيار العودة أو التنقل بحرية، مما يجعل خطابها الحقوقي يفتقد للمصداقية.
خلاصة القول، إن ما تحاول جبهة البوليساريو تمريره من خلال واجهات دعائية وبيانات مسيسة، لا يصمد أمام تطور الواقع في الصحراء المغربية، حيث تُترجم السياسات العمومية إلى مشاريع ملموسة، وتُمارس الحقوق والحريات داخل مؤسسات وطنية منتخبة، ويتقدم النموذج التنموي المغربي كبديل حقيقي لمنطق الانفصال والوصاية. هذه الحقائق هي ما يجب أن يُطرح على طاولات النقاش الدولي، بدل اجترار خطابات لا تمتّ للواقع بصلة، ولا تخدم إلا استدامة الجمود والمعاناة في تندوف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق