الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، مايو 12، 2025

"باباجي" Babaji Supertramp: ترنيمة روحية لروجر هودجسون: عبده حقي


في سبعينيات القرن العشرين، حين كان الروك يتأرجح بين النقد السياسي والبحث الوجودي، اختار روجر هودجسون من فرقة «Supertramp» أن ينفرد بأغنية تحمل بعداً صوفياً روحانياً بعنوان ««"باباجي"««. صدرت لأول مرة ضمن ألبوم «Even in the Quietest Moments...»  سنة 1977، قبل أن تصبح لاحقاً إحدى الأغاني المنفردة التي شكّلت ملامح ذلك العمل الموسيقي المتنوع.

بعيداً عن طابع الفرقة المعروف بالمزج بين الفلسفة اليومية والتأملات الاجتماعية، جاءت "باباجي" كتجربة شخصية وعاطفية، بل يمكن القول إنها أقرب إلى الابتهال منها إلى أغنية بوب تقليدية. فقد كتبها هودجسون مستلهماً شخصية مهافاتار باباجي، الكائن المتسامي في تقاليد اليوغا الهندوسية، والذي رآه الكاتب بمثابة مرشد روحي ونور إلهي شبيه بالمسيح أو كريشنا، وربما بوذا. هذا البعد الصوفي لم يكن مجرد خلفية رمزية، بل تجلى بوضوح في كلمات الأغنية:

««طوال حياتي شعرت أنك كنت تستمع / تبحث عن طرق لمساعدتي على البقاء متناغمًا»«،

وهي عبارات تتأرجح بين مناجاة داخلية وتوسل روحي.

ولم يكن هذا التوجه موضع ترحيب من جميع أعضاء الفرقة. فريك ديفيز، شريك هودجسون في تأليف معظم أغاني «Supertramp»، عبّر عن تحفظه علنًا، قائلاً لمجلة NME إنه يفضّل "البقاء مجهولاً على أن يصبح متدينًا"، مضيفًا بأن روحانية الأغنية لم تحظَ بإجماع داخل الفريق. أما عازف الساكسفون جون هيليويل، فلم يُخفِ ضيقه من المرجعيات الدينية في كلمات الأغنية، قائلاً: "تمنينا لو أنه كتب عن شيء آخر غير المسيح أو باباجي".

ومع ذلك، لقيت "باباجي" صدى إيجابيًا لدى عدد من النقاد. فقد شبّه ديل وينيتوي طابعها الديني بأسلوب جورج هاريسون في مراحله الروحية، بينما وجدها آخرون لحظة تأملية شبه صوفية تنبع من صميم موسيقى البوب. ستيفن توماس إيرلوين من «AllMusic» وصفها بأنها "لحظة شبه روحية تخرج من موسيقى البوب"، تعكس محاولات جادة لتطعيم موسيقى الروك بأسئلة ما بعد الحداثة.

على الصعيد الموسيقي، تميزت الأغنية بإيقاع هادئ ولحن داخلي عذب، وهو ما اعتبره بعض النقاد تجليًا لنضج الفرقة في تلك المرحلة. إلا أن تقييمًا آخر من «Brandon Sun» أشار إلى أن الإمكانيات التقنية للأداء، وخاصة ضعف البيانو التقليدي في التعبير عن بعض النوتات، قد حرمت الأغنية من أن تتحول إلى عمل كلاسيكي خالد. كما انتقد البعض تكرار الجيتار والبايس وغياب الابتكار في الإيقاع.

ورغم كل هذه التباينات، ظلت "باباجي" تمثل نقطة تحول في مسيرة «Supertramp؛ أغنية لا تخجل من الانحناء أمام المطلق، وسط ألبوم يحتفي بالأسئلة لا الأجوبة. وقد اختيرت لاحقًا لتكون جزءًا من ألبوم التجميع الثاني للفرقة «The Very Best of Supertramp 2»  الصادر سنة 1992، في إشارة إلى مكانتها الرمزية ضمن رصيد الفرقة.

لم تكن "باباجي" مجرد أغنية، بل كانت صلاة معاصرة همس بها هودجسون في أذن الكون، تاركًا الباب مواربًا بين البوب والتصوف، بين هارموني الروك وأسئلة الخلود.

هل سمع أحدهم النداء؟ ربما. وهل وجد روجر نور باباجي؟ الأغنية تلمّح، لكن لا تجيب.

0 التعليقات: