في أجواء مشحونة بالإبداع والاختلاف، تحتضن الدورة السادسة من مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي لحظة ثقافية لافتة مع أحد أكثر الأصوات الأدبية والفنية جرأة في المشهد المغربي المعاصر، المخرج والكاتب هشام العسري، الذي سيوقع روايته الجديدة المثيرة للجدل والمعنونة بـ "لينين استيقظ، لقد أصبحوا مجانين"، ضمن فعاليات المهرجان التي تقام ما بين 13 و20 يونيو 2025.
الرواية، الصادرة حديثًا عن دار "آوتسايدرز"، تأتي في 42 فصلًا مرفقًا بـ 42 رسمة، جميعها من إبداع العسري ذاته، ما يجعل من العمل تجربة بصرية وسردية مدمجة، تمزج بين السرد المتفجر والتشكيل التعبيري. ودار النشر هذه، التي أسستها نادية أسد، ليست مجرد منصة للنشر بل مشروع ثقافي مغاير يسعى لكسر القوالب التقليدية وتكريس روح "الخارجين عن المألوف" كما يدل اسمها.
تدور حبكة الرواية في قلب مدينة الدار البيضاء، حيث يؤدي حادث عبثي إلى تفجير عنيف. رجل ثمل يجر سلكًا على الأرض، فتتغير المدينة إلى مسرح للريبة والشك، ويصبح المتسبب الناجي المشتبه الأول في هجوم إرهابي غامض. ببصمة أدبية تجمع بين التهكم والعبث والفلسفة، يقود هشام العسري القارئ عبر سردٍ يتلاعب بالجنون، ويرسم بانوراما اجتماعية عن مجتمع تتقاطع فيه الخرافة بالتكنولوجيا، والفوضى بالرقابة.
هشام العسري ليس اسمًا عابرًا في الثقافة المغربية، بل يمثل ظاهرة فنية تشتبك مع السينما، المسرح، الرواية، والرسم. خلفه سبع روايات أدبية، من بينها: "ستاتيك" (2010)، "سانت ريتا" (2015)، "بيغ داتا جهاد" (2022)، و*"بنك فتنة"* في طبعتها الثانية والثالثة (2025). وعلى الصعيد المسرحي، وقع ثلاث مسرحيات تتحدى الأعراف، مثل: "عريضة لإنشاء مستشفى للدمى المكسورة" (2006) و*"حياة العرب مهمة"* (2024).
أما في مجال السينما، فقد حجز العسري لنفسه مكانًا داخل أكبر المهرجانات العالمية، مثل كان وبرلين وتورنتو، من خلال أفلامه الطويلة: "هم الكلاب"، "جوع كلبك"، "الجاهلية", و*"مروكية حارة"* الذي تصدر قائمة المشاهدات على منصة نتفليكس المغرب سنة 2025، مما يعكس شعبية هذا المخرج المتمرد حتى خارج الأوساط النخبوية.
ويمتد مشروع العسري الإبداعي إلى عالم الرواية المصورة، حيث أصدر خمسة أعمال تمزج بين الحكي البصري والنقد الاجتماعي، أبرزها: "الفودو" (2015) و*"إنديل تيخوانا: قصة خفية عن بوسبير"* (2020).
وراء كل هذا التعدد الإبداعي، يعيش هشام العسري في كازابلانكا، كأب مخلص وفنان ملتزم ورياضي يجد في الحركة امتدادًا لتمرده الفني. هو أحد أولئك الذين لا يكتفون بالكتابة عن الجنون، بل يخوضونه بشجاعة. ولذلك، يبدو عنوان روايته الأخيرة - التي تشبه صرخة وجودية - امتدادًا طبيعيًا لصوت لا يهدأ: "لينين استيقظ، لقد أصبحوا مجانين"… لكن الجنون هنا ليس مرضًا، بل احتجاجًا صاخبًا ضد العادي والمألوف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق