وسط عالم يشهد تغيرات بيئية متسارعة، يطرح الدكتور أيوب أبودية، المهندس والباحث البيئي المعروف، إشكالية مصيرية في كتابه الجديد "الانقراض الجماعي.. تاريخياً ومستقبلياً"، الصادر عن دار "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن. الكتاب، الذي جاء في 150 صفحة من القطع المتوسط، لا يقتصر على مراجعة علمية دقيقة للكوارث البيئية التي عصفت بالأرض عبر العصور، بل يوجه تحذيراً صريحاً: البشرية تندفع بثبات نحو انقراض سادس، هذه المرة من صنع أيديها.
يستعرض أبودية في الباب الأول من الكتاب مشاهد الكوارث الخمس الكبرى التي عرفها كوكب الأرض خلال مئات الملايين من السنين، حيث اندثرت فيها ملايين الأنواع الحية، تاركة خلفها فجوات في سجل الحياة يصعب ترميمها. ويُبرز الكاتب في كل حالة الأسباب الجيولوجية أو الكونية، كالنشاط البركاني أو ارتطام الكويكبات، لكنه يربط تلك الأحداث بدروس تُهمل اليوم، حين يتعامل الإنسان مع الطبيعة بمنطق الاستغلال بدل التوازن.
أما الباب الثاني، فينقلب إلى المستقبل، أو ما يسميه الكاتب "الانقراض القادم"، معتمداً على سيناريوهات علمية تستند إلى تقارير أممية ومراكز أبحاث بيئية مثل IPCC وWWF. في هذا القسم، يوضح أبودية كيف أن ارتفاع درجات الحرارة بشكل متسارع – وقد يصل إلى أكثر من 8 درجات مئوية مقارنة بمعدلات ما قبل الثورة الصناعية – كفيل بتقويض سلاسل غذائية كاملة، وتدمير المواطن البيئية، وجعل أنواعًا كالثدييات والحشرات وحتى الطيور عرضة للزوال.
ولا يتوقف الكاتب عند رصد المخاطر، بل يتبنى خطاباً تحريضياً يحث على التغيير، قائلاً إن "الإنسان لم يعد مجرد متفرج، بل أصبح اللاعب الأساسي في سيناريو الانقراض المحتمل"، ما يتطلب، بحسبه، إصلاحًا جذريًا في السياسات البيئية على مستوى العالم.
في الخاتمة، يقدم أبودية خارطة طريق، قائمة على ما يسميه "اقتصاد النجاة"، حيث يُعاد تعريف التنمية لا بوصفها توسعاً في الإنتاج، بل توازناً مع النظام البيئي. تشمل هذه الرؤية مجموعة إجراءات تبدأ من حماية الغابات والمحيطات، مروراً بتقنين الموارد غير المتجددة، وانتهاء بالتحول إلى الطاقات النظيفة، في ما يشبه نداءً أخيرًا لتجنب "الهاوية السادسة".
هذا الكتاب ليس مجرد وثيقة علمية، بل هو صرخة بيئية بفلسفة إنسانية عميقة، يكتبها صاحب تجربة ثرية جمعت بين الهندسة والكتابة والعمل الميداني. فالدكتور أيوب أبودية، الذي حاز على جوائز مرموقة مثل الجائزة الذهبية للأبنية البيئية في الشرق الأوسط، وجائزة جامعة فيلادلفيا لأفضل كتاب علمي، يُعد من الأصوات النادرة التي تجمع بين المعرفة التقنية والرؤية الثقافية.
من خلال هذا العمل، ينضم أبودية إلى سلسلة مفكرين عالميين حذروا من "اللحظة البيئية الحرجة"، أمثال إليزابيث كولبيرت في كتابها الانقراض السادس، وجيمس لوفلوك في نظريته عن "غايا". لكن خصوصية أطروحته تنبع من ربطه العميق بين المسألة البيئية والوعي الإنساني، مؤكدًا أن "التاريخ لن يعيد نفسه، لكنه قد ينتقم من تجاهلنا له".
هل نملك الوقت لنغير المسار؟ هذا ما يتركه الكتاب مفتوحًا أمام القارئ، كمن يضع مرآة أمام وجه البشرية ويقول: أنقذ نفسك قبل فوات الأوان.
0 التعليقات:
إرسال تعليق