الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، مايو 16، 2025

مزاعم الحزب الشيوعي الفلسطيني حول "المعتقلين الصحراويين" عبده حقي


في خضم التوترات المفتعلة بشأن قضية الصحراء المغربية، خرج الحزب الشيوعي الفلسطيني بما أسماه "بيان تضامني" مع من وصفهم بـ"المعتقلين السياسيين الصحراويين"، متبنّيًا بذلك خطابًا دعائيًا يعيد إنتاج سرديات جبهة البوليساريو المنفصلة عن الواقع، والمبنية على مغالطات تاريخية وسياسية وقانونية، في تجاهل صارخ للحقائق الميدانية والتطورات الجذرية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية.

إن من تُسمِّيهم جبهة البوليساريو وحلفاؤها بـ"المعتقلين السياسيين" ليسوا سوى أفراد متورطين في أعمال عنف وتخريب واعتداء على القوات العمومية والممتلكات العامة والخاصة، وهي أفعال مجرّمة بموجب القانون الجنائي المغربي، كما تُجرّمها القوانين الدولية. القضاء المغربي، كسلطة مستقلة، يضمن لهؤلاء محاكمات عادلة في إطار الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

أما الحديث عن "الظروف اللاإنسانية"، فهو خطاب مكرر لا يستند إلى تقارير موثوقة أو مصادر مستقلة، بل يعكس دعاية سياسية تهدف إلى تقويض صورة المغرب دوليًا. وفي المقابل، فإن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، إضافة إلى تقارير دولية مثل تقرير مجلس الأمن الأخير، أكدت على التزام المغرب باحترام حقوق الإنسان في أقاليمه الجنوبية، بل وتعاونه المستمر مع الآليات الأممية المعنية.

من أخطر ما ورد في البيان هو الربط المفتعل بين القضية الفلسطينية والنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، وكأن الطرفين يواجهان استعمارًا مشتركًا. والحال أن هذا التشبيه يجافي الحقيقة جملةً وتفصيلًا. فالصحراء لم تكن يومًا "دولة" مستقلة قبل استرجاعها من الاستعمار الإسباني سنة 1975 بفضل المسيرة الخضراء، وإنما كانت جزءًا من التراب المغربي منذ قرون، كما تؤكد وثائق ومحاضر المبايعة التي تعود إلى ما قبل الاحتلال الإسباني.

أما فلسطين، فهي قضية احتلال واضح المعالم من قبل قوة غازية أُقيمت على أنقاض شعب مشرّد، وهو ما اعترفت به الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي. والمفارقة أن الحزب الشيوعي الفلسطيني نفسه –في خضم هذا البيان– يستقوي بخطاب معادٍ للوحدة الترابية للمغرب في الوقت الذي يشكو فيه من التجاهل الدولي لقضيته العادلة، في ازدواجية فاضحة للمواقف الأخلاقية.

إن المغرب لا يُخفي التزامه بإيجاد حل سلمي ونهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء، وقد تقدم منذ 2007 بمبادرة الحكم الذاتي الموسع كحل واقعي، متقدم وذي مصداقية، لقي ترحيبًا واسعًا من المجتمع الدولي، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن المتتالية التي اعتبرت المبادرة المغربية إطارًا جديًا وذا مصداقية.

بموجب هذا المشروع، سيحظى سكان الصحراء بحق إدارة شؤونهم المحلية في مجالات الاقتصاد والتعليم والثقافة، ضمن السيادة المغربية، مع ضمان تمثيلية ديمقراطية ومشاركة في المؤسسات الوطنية. إن هذا النموذج هو الأنسب لتجاوز منطق الانفصال الذي أثبت فشله، بل وتورّطه في تحويل سكان تندوف إلى رهائن بشرية داخل مخيمات مغلقة، خاضعة لحكم عسكري لا يعترف لا بالحريات ولا بحقوق الإنسان.

لا يمكن لأي متابع موضوعي أن يُنكر الطفرة التنموية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة. فمنذ إطلاق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الصحراوية سنة 2015، جرى ضخ أكثر من 77 مليار درهم في مشاريع ضخمة تشمل البنية التحتية، الطاقات المتجددة، الموانئ، المناطق الصناعية، والمجال الاجتماعي والثقافي. ويكفي ذكر ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يشكل قاطرة اقتصادية إقليمية، لندرك حجم التغيير على الأرض.

لقد أصبح المواطنون الصحراويون جزءًا من نسيج وطني حيّ، يساهمون في المؤسسات المنتخبة، وفي صنع القرار المحلي، في ظل انفتاح إعلامي وحقوقي لا يمكن مقارنته بحالة القمع والتعتيم التي تعرفها مخيمات تندوف الخاضعة لسلطة البوليساريو.

المؤسف أن الحزب الشيوعي الفلسطيني، وهو ينادي بحقوق "الصحراويين"، لم يجد في نفسه الجرأة ليُصدر بيانًا مماثلاً يدين الجرائم اليومية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية، ولم يطالب بإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال في ظروف لا تقارن بأي حال بتلك التي يوجد فيها السجناء في المغرب، والتي تخضع لرقابة وطنية ودولية.

غزة، اليوم، تنزف تحت وابل القصف والتجويع والحصار اليومي، ومع ذلك يتعامى الحزب عن ذلك، ويفضل الانخراط في حملة تشويش جزائرية ضد دولة مغربية لم تتأخر يومًا في الدفاع عن فلسطين في كل المحافل الدولية، ولم تتخلَّ يومًا عن دعم القضية الفلسطينية قولًا وفعلًا، دون ابتزاز سياسي أو دعاية فارغة.

إن ما نحتاجه اليوم ليس بيانات تضامن عمياء تُكتب في غرف مغلقة بعيدًا عن الواقع، بل موقفًا عقلانيًا يتبنى مسار العدالة، ويشيد بالحلول الواقعية، ويُدين الاستغلال السياسي لمعاناة الناس.

المغرب اليوم لا يرد على الاتهامات بالكلمات فقط، بل بالإنجازات، وبمقترحات سياسية تحظى بإجماع وطني ودعم دولي. وأقاليمه الجنوبية ليست "أراضٍ محتلة"، بل فضاءات واعدة تنمو يومًا بعد يوم تحت راية وطن موحد، يمتلك من الشرعية التاريخية، والمشروعية القانونية، والرؤية المستقبلية، ما يجهض كل محاولات التشويه والتضليل.

0 التعليقات: