الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، مايو 16، 2025

منصات التواصل الاجتماعي بين حرية التعبير والمسؤولية: عبده حقي


في زمن تتداخل فيه حدود المهنة بالهواية، والصحافة بالمنشورات العابرة، خرج وزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، ليضع إصبعه على الجرح النازف لمنصات التواصل الاجتماعي. في مداخلة قوية أمام لجنة التعليم والثقافة بمجلس النواب، أكد بنسعيد أن الخلط المستمر بين الصحافيين المهنيين ونشطاء المحتوى الرقمي لم يعد مقبولًا، مشددًا على أن الحرية لا تُفهم إلا بوصلها بالمسؤولية، ولا تُمارس إلا في ظل احترام القانون.

المشهد الرقمي المغربي، كما صوّره السيد الوزير، يعيش حالة من الانفلات الذي يهدد النسيج المجتمعي. فالتطبيقات الرقمية باتت تسهم في تسويق خطاب الكراهية، والانحرافات السلوكية، وتستغل فئات هشة كالأطفال والمراهقين، في غياب تأطير قانوني واضح. لذلك، يعتزم الوزير الدفع نحو قانون جديد يؤطر هذا الفضاء دون المساس بجوهر حرية التعبير، وذلك عبر تنظيم عمل المؤثرين وصنّاع المحتوى، وتكريس آليات رقابة ذاتية ومؤسساتية تضبط هذا العالم المتغير.

ضمن هذا التوجه، سيتم توسيع صلاحيات الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، لتشمل فضاء المنصات الرقمية، بما يسمح بوضع تعريفات دقيقة لماهية "الخدمة الرقمية"، و"المنصة"، و"مشاركة المحتوى"، وإلزام الفاعلين الرقميين بتعيين ممثل قانوني داخل المغرب، وفق ما تنص عليه الممارسات الأوروبية الحديثة التي بدأ العمل بها منذ سنة 2023.

وفي قلب هذا المشروع، لا يغيب هاجس مواجهة الأخبار الزائفة والمحتوى المحرض على العنف والإرهاب، حيث أشار الوزير إلى نية الدولة في تفعيل آلية الحذف الفوري لأي منشور مخالف للقانون، وتحميل المسؤولية للجهة التي بثّته. كما سيتم فرض التصريح الضريبي على المؤثرين الذين يحققون أرباحًا من الإعلانات، في إطار إرساء مبدأ العدالة الجبائية داخل الاقتصاد الرقمي.

لكن بنسعيد لم يغفل التأكيد على تمسك الحكومة بحرية الصحافة، مستحضرًا إلغاء العقوبة السالبة للحرية في حق الصحافيين منذ 2016، وتأكيده على أن تطوير الممارسة الصحافية المهنية هو جوهر إصلاح المنظومة الإعلامية. وفي هذا السياق، تحدث عن حزمة من مشاريع القوانين التي أحيلت على الأمانة العامة للحكومة، والتي تهدف إلى دعم استقلالية المؤسسات الإعلامية، وتعزيز أخلاقيات المهنة، ونشر ثقافة حقوق الإنسان عبر وسائط الإعلام.

وردًّا على ما تم تداوله بشأن متابعته لصحافيين قضائيًا، نفى الوزير ذلك بشكل قاطع، موضحًا أن الصحافيين الذين نالوا عفوًا ملكيًا تمت متابعتهم في عهد حكومات سابقة، وأنه يكتفي بإصدار بلاغات توضيحية حين يقتضي الأمر.

كما شدد على احترام الحكومة لمبدأ التنظيم الذاتي للمهنة، رافضًا أي تدخل في مهام اللجنة المؤقتة لتسيير المجلس الوطني للصحافة، وموضحًا أن هذه المرحلة تفرض تعديلات تشريعية تُرك أمرها للمهنيين أنفسهم.

كلمة الوزير جاءت كخارطة طريق لمغرب رقمي يوازن بين الانفتاح والمسؤولية، بين التعبير والواجب، بين التكنولوجيا والقيم. فالحرية الرقمية لا تعني الفوضى، والحماية القانونية لا تعني القمع. إنها محاولة لبناء فضاء تواصلي آمن، يليق بالمجتمع المغربي في زمن التحول الرقمي.

0 التعليقات: