الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، مايو 29، 2025

إصدار مذكرة بحث دولية في حق كاتب جزائري : عبده حقي


في السابع من مايو 2025، فوجئت الأوساط الحقوقية والإعلامية في فرنسا وشمال إفريقيا بخبرٍ أثار الصدمة والاستغراب حيث السلطات الجزائرية أصدرت مذكرتي توقيف دوليتين بحق الكاتب الجزائري-الفرنسي كمال داود. لم يكن الأمر يتعلق بتهمة إرهابية أو قضية فساد كبرى، بل بسبب إصدار رواية جديدة.

كمال داود، الذي حصل على الجنسية الفرنسية منذ عام 2020، أصبح فجأة مطلوباً لدى العدالة الجزائرية، ليس لجرم جنائي، بل لنشر رواية اعتُبرت من قِبل النظام مسيئة أو مهددة لما يُسمى بـ"الوئام المدني". إذ تتهمه السلطات بخرق السرية الطبية والإساءة إلى ميثاق المصالحة الوطنية. ورغم الطبيعة القانونية "المدنية" لهذه التهم، فقد حاولت الجزائر استخدام آليات الشرطة الدولية، وتحديدًا "الإنتربول"، لإضفاء طابع جنائي دولي عليها.

لكن المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول" رفضت هذا التوظيف السياسي الصارخ. ففي مناسبتين من هذا العام، رفضت المنظمة إصدار "النشرة الحمراء" بحق داود، معتمدةً في قرارها على المادة الثالثة من نظامها الداخلي، التي تمنع أي تدخل في قضايا ذات طابع سياسي أو عرقي أو ديني أو عسكري.

الرفض الصارم من طرف الإنتربول لم يأتِ من فراغ. فبعد دراسة الملف، تبين أن القضية لا ترقى إلى مستوى الجرائم التي تستدعي تعاونًا دوليًا في إطار مكافحة الجريمة المنظمة أو الإرهاب، بل تنتمي إلى سياق محلي تغذيه رغبة سلطوية في إخراس صوت معارض عبر قنوات العدالة الدولية. وقد حاولت الجزائر لاحقًا تقديم طعن على قرار المنظمة، لكن هذا الطعن رُفض، مما يؤكد أن دوافع الملاحقة كانت سياسية وليست قانونية.

إن ما حدث مع كمال داود لا يمكن فصله عن سياق عام يتّسم بتصاعد القمع في الجزائر، وتوظيف القضاء وأجهزة الأمن في تصفية حسابات سياسية وأدبية. فليست هذه المرة الأولى التي تُستخدم فيها "المذكرات الدولية" كسلاح لردع المثقفين أو المعارضين؛ بل إنها باتت سياسة ممنهجة من قبل أنظمة تخشى من حرية التعبير وتعمل على تصنيف كل معارض كخطر أمني أو خائن.

وما يزيد من خطورة هذا النهج هو محاولة بعض الأنظمة الالتفاف على المعايير الدولية من خلال التعاون مع منظمات إقليمية أقل استقلالًا مثل "الأرابول" و"أفريبول"، حيث تُسجّل أعداد من المذكرات بحق صحفيين وكتاب ومعارضين في غياب أبسط شروط العدالة والنزاهة.

ما جرى هو فضيحة دولية بمعنى الكلمة. إذ كيف يُعقل أن يُصنّف كاتب، بسبب رواية، في خانة المطلوبين جنائيًا؟ كيف يمكن لمذكرة توقيف أن تتحول إلى أداة للتخويف السياسي؟ وكيف تُوظّف مؤسسة دولية مثل الإنتربول في تصفية حسابات أدبية؟

الإنتربول في رده الحازم، لم يدافع عن كمال داود كشخص، بل دافع عن مبدأ العدالة ومصداقية القانون الدولي. فقد رأى أن مذكرات التوقيف تلك لا تستوفي الشروط القانونية، ولا تنسجم مع روح التعاون الدولي الذي يهدف إلى مكافحة الجرائم الحقيقية، لا إلى قمع الرأي وتكميم الأفواه.

إن استخدام النظام الجزائري لهذا الأسلوب المهين في التعامل مع كتابه ومثقفيه، يكشف حجم الفجوة بينه وبين قيم الدولة الحديثة. كما يُحرج صورة الجزائر دوليًا، ويزيد من عزلتها، ويؤكد أن العدالة هناك لم تعد مستقلة، بل أداة في يد السلطة.

كمال داود لم يقتل، لم يسرق، لم يهرب أموالاً، ولم يتاجر بالبشر. ما فعله هو الكتابة. والكتابة، في بلاد القمع، تصبح جريمة.

وهنا، تتجاوز القضية حدود شخص واحد لتطرح سؤالًا أكبر: من التالي؟ وهل سيصمت الأدب أمام هذا الإرهاب القانوني؟ أم أن الكلمة ستبقى أقوى من المذكرة، وأبقى من النظام؟

0 التعليقات: