الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، يونيو 18، 2025

الجزائر والتخبط في عناوين الفضائح التي تكشف عمق الأزمة: عبده حقي


تعيش الجزائر في السنوات الأخيرة حالة من التخبط السياسي والدبلوماسي المتواصل، تعكسه مجموعة من المؤشرات التي لم تعد مجرد أحداث معزولة، بل تحوّلت إلى ظاهرة تكشف عمق الأزمة البنيوية التي تعاني منها الدولة، سواء في إدارتها لعلاقاتها الخارجية، أو في تعاطيها الإعلامي مع جوارها المغاربي، وعلى رأسه المغرب، أو حتى في قراراتها السيادية المتعلقة بالمحافل الدولية.

في تطوّر يثير العديد من علامات الاستفهام، تتساءل جهات إعلامية وسياسية عن الجهة التي "حرّكت" الرئيس عبد المجيد تبون ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، في سابقة تعكس هشاشة القرار السياسي في الجزائر. التوتر المفاجئ مع أبوظبي – أحد أبرز اللاعبين في المنطقة – يطرح إشكالية غياب رؤية استراتيجية واضحة لدى النظام الجزائري، وتزايد تأثره بالضغوط والتجاذبات الإقليمية، التي باتت تتحكم في توجيه قراراته نحو مزيد من العزلة بدل الانفتاح والتعاون.

في خطوة غير مسبوقة، انزلقت وسائل الإعلام الجزائرية إلى مستويات عبثية من الشعبوية عبر ما بات يعرف بـ"حرب الكسكس" مع المغرب، حيث تحوّلت أطباق الطهي التقليدية إلى مواضيع لصراعات "دبلوماسية" ملفّقة تفتقر لأي منطق عقلاني. إن هذه المهزلة الإعلامية لم تثر فقط سخرية المتابعين، بل كشفت عن مدى التراجع الفكري الذي بلغه الخطاب الرسمي والإعلامي في الجزائر، حين يُستبدل النقاش السياسي الجاد بحملات عدائية جوفاء تغذيها الهواجس المرضية تجاه المغرب.

وفي سياق آخر يعكس غياب الانسجام والتخبط في سياسة الدولة، تمّ إلغاء مشاركة الوفد الجزائري في منتدى سانت بطرسبورغ الدولي في اللحظات الأخيرة دون تقديم توضيحات مقنعة. إن هذا الانسحاب المربك قد أعاد إلى الواجهة تساؤلات حول قدرة الجزائر على الالتزام باتفاقاتها وحضورها الدولي، خاصة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى ترميم صورتها المهزوزة على الساحة الدبلوماسية.

كل هذه الوقائع مجتمعة، تكشف عن مسار انحداري في إدارة الجزائر لعلاقاتها الدولية والإقليمية. إذ بدل التركيز على التنمية الداخلية وتحقيق المصالحة مع الشعب، يواصل النظام الحاكم الاستثمار في الصراعات الهامشية، سواء مع دول الخليج أو مع المغرب، متكئًا على خطابات قديمة وأوهام الهيمنة، في وقت يعرف فيه العالم تغيّرات عميقة تتطلب نضجًا دبلوماسيًا وحكمة استراتيجية.

ومع كل خطوة تصعيدية أو قرار اعتباطي، تزداد عزلة الجزائر، وتقلّ فرصها في تحقيق الاستقرار والتنمية. فبين من يحرّك الرئاسة في الخفاء، ومن يدير الإعلام بأساليب شعبوية، ومن ينسحب من المحافل الدولية دون تفسير، تبدو الدولة الجزائرية وكأنها رهينة لمنظومة فقدت بوصلتها، وتُصرّ على الهروب إلى الأمام بدل الاعتراف بالأزمة والتصالح مع الواقع.

0 التعليقات: