الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، يوليو 30، 2025

30 يوليه اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر


 صرخة ضد العبودية المعاصرة: اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص

في الثلاثين من تموز/يوليو من كل عام، يتجدد صوت العالم الموحد لمناهضة واحدة من أفظع الجرائم التي تنتهك الكرامة الإنسانية: الاتجار بالأشخاص. هذه الجريمة التي تنمو في الظلال، وتتغذى على الفقر، والنزوح، والصراعات، والتهميش، تُعد اليوم شكلاً مروّعًا من العبودية الحديثة. وهو ما يجعل هذا اليوم أكثر من مجرد ذكرى؛ إنه دعوة للوعي، وللعمل، وللعدالة.

بحسب تقرير الأمم المتحدة العالمي عن الاتجار بالأشخاص لعام 2022، فإن النساء والفتيات لا يزلن يشكلن النسبة الكبرى من ضحايا هذا النوع من الجرائم، وغالبًا ما يُجبرن على العمل القسري أو الاستغلال الجنسي. أما الأطفال، فباتوا أهدافًا سهلة في سياقات النزاعات والهجرة غير النظامية. والأسوأ أن عصابات الاتجار تطورت، مستغلة التكنولوجيات الحديثة لتجنيد الضحايا والتلاعب بهم، مستفيدة من هشاشة الأنظمة القضائية في العديد من الدول.

وفي السياق العربي، لا تزال المنطقة تعاني من هشاشة تشريعية ومؤسساتية تجعل منها في كثير من الأحيان معبرًا أو مقصدًا أو حتى مصدرًا للضحايا. وفي ظل الصراعات الممتدة في بعض بلدان المنطقة، مثل سوريا واليمن وليبيا، ظهر نمط جديد من الاتجار بالبشر، حيث يُستخدم الأطفال كجنود، وتُستغل النساء في شبكات تهريب واستغلال ممنهجة. بل إن البعض بات يتحدث عن "اقتصاد أسود" قائم على تجارة البشر، تتداخل فيه شبكات الجريمة المنظمة مع الفساد السياسي.

المؤسف أن كثيرًا من الضحايا لا يتم التعرف إليهم أو إنقاذهم، لأسباب تتعلق بالخوف، أو الجهل بحقوقهم، أو حتى بسبب القوانين التي تجرّم المهاجرين غير النظاميين دون التمييز بينهم وبين ضحايا الاتجار. لذا، ترفع منظمات مثل المنظمة الدولية للهجرة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة شعار هذا العام:
"كن صوتًا للضحايا، لا تتجاهل صراخهم".

المغرب في سياق مكافحة الاتجار بالأشخاص

يُعد المغرب من الدول التي اتخذت في السنوات الأخيرة خطوات مهمة لمحاربة هذه الظاهرة، سواء من خلال إقرار قانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، أو عبر إحداث اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه. وقد تم إطلاق حملات توعية واسعة، كما تم تدريب القضاة ورجال الشرطة والأطباء على كيفية التعرف على الضحايا والتعامل معهم بإنسانية لا بعقوبة.

ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة. فهناك حاجة لتعزيز حماية الضحايا، وتحسين آليات الملاحقة القضائية، خصوصًا في ملفات الاتجار بالمهاجرين والعمال المنزليين، حيث تختلط الممارسات القانونية بالاستغلال الجسيم. ويُعد التعاون الإقليمي والدولي عنصرًا حاسمًا، نظرًا للطبيعة العابرة للحدود لهذه الجريمة.

من الذاكرة إلى الفعل

إن اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص هو أيضًا فرصة للتفكر في جذور هذه الجريمة: التمييز، والفقر، والجهل، والعنف البنيوي. ولعل أبرز ما يمكن أن نفعله كمجتمع مدني، وكأفراد، هو أن نرفع الوعي، ونُحطم الصمت، وندعم السياسات التي تضع كرامة الإنسان فوق كل اعتبار.

فالاتجار بالبشر ليس مجرد انتهاك لحقوق فرد؛ إنه جرح مفتوح في جسد الإنسانية. وكل ضحية يُستعبد أو يُباع أو يُجبر على العمل أو يُغتصب هو نداء لضمير العالم كي لا يسقط في وحل اللامبالاة.

وفي الثلاثين من تموز، علينا أن نتذكّر — ونقاوم.


مراجع مختارة:

  • تقرير الأمم المتحدة العالمي حول الاتجار بالبشر 2022

  • قانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر في المغرب

  • UNODC – United Nations Office on Drugs and Crime

  • IOM – International Organization for Migration

  • تقرير هيومن رايتس ووتش حول الاستغلال في شمال إفريقيا، 2023

0 التعليقات: