الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، يوليو 19، 2025

هل تكتب الآلة رواية وتعزف لحناً؟ عبده حقي


(الخوارزمية (بالإنجليزية: Algorithm هي مجموعة من الخطوات المحددة والمنطقية التي تُتبع لحل مشكلة معينة أو لتنفيذ مهمة محددة.

الخوارزمية هي "وصفة رياضية" أو "خطة عمل دقيقة" تخبر الحاسوب (أو الإنسان) بما يجب فعله خطوةً بخطوة لتحقيق هدف معين.

إذا أردت أن تُعدّ كوباً من الشاي، فإنك تتبع خوارزمية بسيطة:

1. غلّ الماء.

2. ضع كيس الشاي في الكوب.

3. اسكب الماء المغلي على الكيس.

4. انتظر 3 دقائق.

5. أضف السكر أو الحليب حسب الرغبة.

هذه الخطوات هي خوارزمية، لأنها سلسلة من التعليمات المرتبة تؤدي إلى نتيجة معينة.

في البرمجة والذكاء الاصطناعي، الخوارزمية هي:

« تسلسل من الأوامر المنطقية التي يُنفذها الحاسوب لحل مشكلة مثل:

  « الترتيب (Sorting).

  « البحث (Searching).

  « الترجمة الآلية.

  « التعرف على الصوت أو الصور.

  « التنبؤ بكلمات الجملة.

في الذكاء الاصطناعي، تُستخدم خوارزميات متقدمة تُحاكي طريقة تعلم الإنسان مثل:

«خوارزميات التعلم العميق (Deep Learning): تستخدم الشبكات العصبية لتعليم الآلة كيف تميز بين الصور أو تفهم اللغة.

«خوارزميات التعلّم الآلي (Machine Learning): تتعلم من البيانات، وتُحسّن نفسها مع الوقت دون أن يُعاد برمجتها كل مرة.

مثال: الخوارزمية التي تُنتج مقطعًا موسيقيًا بناءً على نمط معين، تكون قد دُربت على آلاف المقطوعات السابقة، وتحاول "توليد" مقطوعة جديدة شبيهة بها.

كلمة "خوارزمية" مأخوذة من اسم العالم المسلم ««محمد بن موسى الخوارزمي»«، الذي عاش في القرن التاسع الميلادي، وكان من أوائل من كتب في الجبر والحساب ووضع أسس المنهج العددي والمنطقي في الرياضيات. ومن اسمه جاءت الكلمة اللاتينية ««Algorithmus»«، التي تطورت إلى كلمة ««Algorithm»« في الإنجليزية.

الخوارزمية هي قلب الحوسبة الحديثة، وهي الأساس الذي تعتمد عليه جميع البرامج والتطبيقات، من أبسط الآلات الحاسبة إلى أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي تعقيدًا.

لم يكن من المتخيل قبل عقد من الزمن أن تكتب خوارزمية رواية، أو أن تؤلف آلة مقطوعة موسيقية تشبه أعمال شوبان أو بيتهوفن، ولكن الثورة التقنية التي يشهدها العالم قلبت معادلات الإبداع، وطرحت أسئلة جوهرية حول ماهية الفن، وحدود الذكاء، ومكانة الإنسان داخل فضاءات الإبداع الجديدة.

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) اليوم فاعلاً فنياً وثقافياً حقيقياً، يتجاوز دوره الأداتي إلى مساهم جوهري في إنتاج النصوص والمقطوعات وحتى اللوحات الفنية. فبرمجيات مثل ««ChatGPT»« و»«Bard»« و»«Claude»« و»«Suno»« و»«AIVA»« و»«Amper Music»« أثبتت قدرتها على إنجاز أعمال أدبية وموسيقية تتسم بالتماسك، والبنية، وأحيانًا بالجمال العاطفي.

نستطيع القول إن الذكاء الاصطناعي بدأ ينافس الكتّاب ليس في كتابة التقارير أو المحتوى التسويقي فحسب، بل حتى في كتابة الروايات والقصائد. فقد ظهرت روايات مثل

«1 the Road» التي أنتجتها خوارزمية GPT-2 على شاكلة روايات "كرواك"، وبدأت برامج أخرى في إنتاج شعر تفاعلي، أو كتابة سيناريوهات للأفلام.

لكن هل يعني هذا نهاية دور الإنسان كمبدع؟ أم أن الإبداع هو في الأصل فعل تفاعلي يمكن توسيعه ليشمل الآلة؟ يؤكد الناقد ««مارك فيشر»« في أحد مقالاته أن “الابتكار لا يتم خارج التقاليد، بل من خلال تحويرها”. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي كأداة قادرة على استحضار الأنماط، واللعب بها، وتجريبها في سياقات جديدة.

غير أن الفارق الجوهري يظل في “النية” والمعنى. فالآلة لا تملك إحساساً بالوجود، ولا خبرة شعورية، وإنما تحاكي من خلال النماذج والبيانات. وهذا ما يجعل الكاتب الإنسان أكثر قدرة على التجديد، لأنه يكتب من قلب التاريخ، ومن جسد الألم أو الفرح أو الهزيمة.

في الموسيقى، الأمر أكثر إثارة للجدل. فبرامج مثل ««AIVA»« و»«Amper»« تؤلف مقطوعات كاملة، بل وتراعي القواعد الهارمونية والإيقاعية، ويمكنها أن تنتج أعمالاً ملائمة لمشاهد الأفلام، أو الخلفيات الصوتية، أو حتى حفلات موسيقية افتراضية.

هذه التقنيات تُستخدم اليوم بالفعل من قِبل شركات الإنتاج الكبرى، وقد تؤدي إلى تسريح عدد من الموسيقيين العاملين في مجال الموسيقى التجارية أو التلفزيونية. ولكن في مقابل ذلك، هناك من يرى في هذه الأدوات فرصاً جديدة للمبدعين الشباب، حيث تتيح لهم تجريب أدوات التأليف، أو إنتاج موسيقى رقمية من دون معرفة دقيقة بالنظرية الموسيقية.

لكن كما في الأدب، تبقى الموسيقى الآلية محدودة من حيث الشحنة الشعورية، أو القدرة على التعبير العميق عن التجربة الإنسانية. فالموسيقى في جوهرها "لغة روحانية"، كما قال نيتشه، والآلة لا تملك روحاً، حتى لو بدت معزوفاتها متقنة الصنع.

ينبهنا المفكر الإيطالي ««فرانكو بيراردي»« إلى أن الرأسمالية الرقمية تحوّل اللغة إلى "أداة إنتاج"، وتضغط على الإبداع ليصبح وظيفة خاضعة لمنطق السوق. وهنا يظهر دور الذكاء الاصطناعي كسلاح مزدوج: فإما أن يكون أداة لتحرير الكاتب والموسيقي من الأعباء التقنية، أو أن يتحوّل إلى بديل زائف يجرد الفن من عمقه الوجودي.

من ناحية أخرى، يمكن النظر إلى الذكاء الاصطناعي كمساعد خلاق، لا كمنافس. فالكثير من الأدباء يستخدمون اليوم أدوات الذكاء الاصطناعي لتحفيز الكتابة، أو لتحرير نصوصهم، أو لتجريب أساليب جديدة. وكذلك يفعل الموسيقيون مع برامج التوزيع والصوت.

السيناريو الأكثر توازناً هو أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الإبداع الإنساني، بل سيعيد تشكيله. سيكون بمثابة "المحرّر الخفي"، أو "شريك غير مرئي" يساعد الكاتب في تشكيل البنية، ويمنح الموسيقي مقاطع جاهزة للتطوير.

وهنا نستحضر مفهوم “الكتابة التشاركية” أو ««Collaborative Creativity»«، حيث يصبح النص أو العمل الفني فضاءً يتشارك فيه الإنسان مع الخوارزمية، في علاقة لا تقوم على التبعية، بل على الحوار.

في الختام، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي ليس عدو الإبداع، بل مرآته المستقبلية. السؤال الحقيقي لا يتعلق بإمكانية أن تكتب الآلة أو تؤلف، بل: «ما الذي سيبقى إنسانياً في الفن؟»

وهل يمكننا أن نميز بعد الآن بين "إبداعٍ نابع من الألم" و"إبداعٍ مشتق من البيانات"؟

ربما ستصبح هذه هي المعضلة الجمالية الكبرى في القرن الحادي والعشرين.

0 التعليقات: