شهد المغرب في صيف 1970 محطة مفصلية في مساره الدستوري والسياسي مع اعتماد دستور جديد يوم 31 يوليوز، عقب خمس سنوات من حالة الاستثناء التي كان الملك الحسن الثاني قد أعلنها سنة 1965 إثر اضطرابات كبرى في البلاد. هذا الدستور وُصف منذ البداية بكونه انتقالياً، إذ لم يعمّر سوى عامين قبل أن يُستبدل بدستور 1972، لكنه مع ذلك شكّل لحظة فارقة تكشف عن عمق الصراع بين مطلب الانفتاح الديمقراطي وإرادة تعزيز مركزية السلطة الملكية.
جاء الدستور بعد سنوات
من التوترات الاجتماعية والسياسية، حيث سعى النظام إلى استعادة مظاهر الشرعية الدستورية
بعد تجميد مؤسسات 1962. كان الهدف المعلن هو العودة إلى الحياة الدستورية العادية،
لكن القوى الحزبية الرئيسية، وفي مقدمتها المعارضة الوطنية، اعتبرت النص الجديد خطوة
إلى الوراء، ومقاطعتها للاستفتاء الشعبي آنذاك كانت دليلاً على رفضها لما رأت فيه استمراراً
لهيمنة القصر على الحياة السياسية.
لقد عزّز دستور
1970 سلطات الملك بشكل واضح، إذ أعاد تأكيد دوره كقائد أعلى للقوات المسلحة ورئيس فعلي
للسلطة التنفيذية، كما منح له حق التعيين في المناصب العليا وحق المبادرة في مراجعة
الدستور نفسه.
على المستوى التشريعي،
ألغى النظام الثنائي الذي أقره دستور 1962 (مجلس الأمة ومجلس النواب) ليُنشئ برلماناً
أحادياً يتكوّن من مجلس النواب، يتم انتخاب جزء من أعضائه مباشرة، بينما يُنتخب الآخرون
عبر هيئات وسيطة مثل الجماعات المحلية والغرف المهنية. هذا التنظيم أتاح للقصر مساحة
أوسع للتحكم في الخريطة النيابية وتوجيه توازناتها.
وقد وجدت الأحزاب الوطنية
نفسها في مفترق طرق: فالمشاركة في المؤسسات تعني إضفاء شرعية على قواعد لعبة لا تتحكم
فيها، أما المقاطعة فتؤدي إلى تهميشها من مواقع القرار. في المحصلة، ظل البرلمان مؤسسة
بواجهة نيابية أكثر منه فاعلاً حقيقياً، بينما بقيت مفاصل السلطة بيد الملك وأجهزة
المخزن.
تضمّن الدستور نصوصاً
تؤكد على ضمان بعض الحقوق والحريات العامة، لكنه أبقى هذه الحقوق رهينة بمقتضيات النظام
العام وبصلاحيات استثنائية واسعة للملك في حالة الأزمات. عملياً، كانت آثار حالة الاستثناء
ما تزال قائمة رغم رفعها شكلياً، وهو ما جعل الحريات أقل اتساعاً مما ورد في النصوص.
بعد عام واحد من اعتماده،
اهتز النظام بمحاولتي انقلاب عسكري سنتي 1971 و1972، ما جعل مراجعة الوثيقة الدستورية
مسألة ملحة. وهكذا، وُضع دستور 1972 الذي جاء كتعديل لاحتواء الأزمة السياسية والأمنية،
مع الحفاظ على جوهر مركزية الحكم الملكي.
يمكن اعتبار دستور
1970 مرحلة انتقالية قصيرة لكنها ذات دلالة عميقة في تاريخ المغرب الحديث. فقد أعاد
ترتيب التوازنات على نحو يضمن للملكية موقعاً مركزياً في إدارة الدولة، وقدم نموذجاً
لمعادلة "الانفتاح المضبوط"، حيث تُطرح الإصلاحات من داخل النسق وتحت سقفه،
لا خارجه. ومن هنا، فإن هذا الدستور مثّل استمراراً لمنطق بناء دولة بواجهة مؤسساتية
حديثة لكن بسلطة فعلية متمركزة في يد القصر.
المراجع والمصادر
جون واتربوري، أمير
المؤمنين: النخبة السياسية المغربية، دار نشر برنستون، 1970 (ترجمات لاحقة بالعربية
والفرنسية).
محمد الطوزي، الملكية
والإسلام السياسي في المغرب، الدار البيضاء: إفريقيا الشرق، 1999.
النص الكامل لدستور
1970، موقع مجلس النواب المغربي.
Constitution
marocaine du 31 juillet 1970،
Digithèque de
l’Université de Perpignan.
International
IDEA،
The 2011
Moroccan Constitution: A Critical Analysis، تقرير تحليلي، 2012 (للمقارنة التاريخية).
ConstitutionNet، Morocco – Constitutional History، ملف تحليلي حول التطور الدستوري
المغربي.
وثائق FRUS (Foreign
Relations of the United States)،
تقرير الاستخبارات الوطنية حول المغرب 1972.
روابط رقمية مفيدة
النص الكامل لدستور
1970 – مجلس النواب المغربي
Constitution
marocaine du 31 juillet 1970 – Digithèque MJP
ConstitutionNet
– Morocco Constitutional History
يتبع
0 التعليقات:
إرسال تعليق