بين صيفَي 1971 و1972 تعرّضت الملكية المغربية لاهتزاز وجودي نادر وخطير جدا : محاولة انقلابية دموية في قصر الصخيرات يوم 10 يوليو 1971، ثم هجوم جوي على طائرة الملك الحسن الثاني يوم 16 أغسطس 1972. هذان الحدثان لم يكونا مجرد تمرّدين عسكريين؛ إنهما لحظة كاشفة عن توازنات السلطة، وبنية الدولة، والسبل التي أعادت بها الملكية هندسة علاقتها بالمؤسسة العسكرية والحقل السياسي لعقود لاحقة.
في عيد ميلاد الملك
الثاني والأربعين، اقتحم مئات من تلامذة مدرسة أهرمومو العسكرية بقيادة المقدم امحمد
أعبابو والجنرال محمد المذبوح قصر الصخيرات، وامتدّ الهجوم إلى الإذاعة ووزارة الداخلية
في الرباط. انتهت العملية خلال ساعات بتدخّل الحرس الملكي والقوات الموالية، وخلّفت
مجزرة بين الضيوف والدبلوماسيين قُتل فيها العشرات، وأُعدم ضباط بارزون سريعاً بعد
محاكمات عسكرية.
بعد عام واحد، هاجمت
مقاتلات
F-5 طائرة
بوينغ 727 التي تقلّ الملك عائدة من فرنسا. أصابت الطائرة ووقعت ثمانية قتلى ونحو أربعين
جريحاً، لكن الطائرة هبطت اضطرارياً بسلام في الرباط-سلا. في مساء اليوم نفسه عُثر
على الجنرال محمد أوفقير ميتاً برصاصات عدّة؛ أعلنت الرواية الرسمية انتحارَه، فيما
ظلّ الجدل قائماً حول الملابسات. وأعقبت الحادث محاكمات واسعة شملت مئات من عناصر القوات
الجوية.
ولفهم لماذا وقعت المحاولتان
ولماذا فشلتا، يلزم تفكيك بنية الحكم: ملكية تضبط النخب عبر شبكات ولاء متقاطعة، وتبقي
الجيش قوّة تنفيذية بلا تمثيل سياسي مستقل. هذا “العنصر” مكّن القصر من امتصاص الصدمات
وإعادة تركيب مركز الثقل بعد كل أزمة.
بعد الصخيرات، تمت
ترقية أوفقير وأُسندت إليه وزارة الدفاع، وأُعيد تشكيل سلسلة القيادة وتثبيت “أمن القصر”
كنواة صلبة، قبل أن تنتهي مغامرته السياسية بهزّ استقرار النظام نفسه للمرة
الثانية في 1972. وقد أعيد توزيع أدوار الجيش والأمن، مع تعزيز الضبط الاستخباراتي
وتكريس تبعية المؤسسة العسكرية للعرش مباشرة.
تحت ضغط الارتجاج الأمني،
أُقرّ دستور جديد في استفتاء 1 مارس 1972 بنسبة تأييد كاسحة وفق الأرقام الرسمية، لكن
الدينامية الانتخابية أُجّلت حتى 1977، ما كرّس معادلة: توسيع محدود لشكلانية المشاركة
مقابل استمرار مركزية القرار.
لقد رسّخ الفشلُ العسكري
منطق “الأمن أولاً”، فاشتدّت المراقبة والقمع خلال ما سيُسمّى لاحقاً “سنوات الرصاص”.
خلال السنوات الأولى من حكم الملك محمد السادس، اعترفت هيئة الإنصاف والمصالحة بحصول
انتهاكات جسيمة واقترحت إصلاح حوكمة الأمن وعدم تكرار الانتهاكات، ما وفّر سردية رسمية
للماضي الأليم وسبيلاً مؤسسياً لتجاوزه.
1. «عقيدة الجيش»: بعد 1972 جرى تثبيت الجيش كجهاز
حماية للوحدة الترابية ودرء التهديدات الخارجية بعيداً عن السياسة اليومية.
2. «هندسة التوازنات»: قوّت الملكية تحالفاتها
مع النخب الاقتصادية والدينية والجهوية، مع إبقاء القنوات الحزبية تحت سقف مضبوط.
3. «الإصلاح كإستراتيجية دفاعية»: اعتمدت المؤسسة
الملكية إصلاحات انتقائية تمنح جرعات تمثيل وشفافية حين تدعو الضرورة، دون التفريط
بمركزية العرش.
لم تغيّر محاولتا
1971 و1972 طبيعة النظام بقدر ما سرّعتا إعادةَ قولبتِه: تدييرٌ أمني محكم للمؤسسة
العسكرية، شرعنة دستورية مضبوطة التوقيت، وإدارة طويلة المدى للحقلين الحزبي والحقوقي.
بهذه الأدوات خرجت الملكية من عقد السبعينيات أكثر رسوخاً، لكنها دفعت ثمناً اجتماعياً
وحقوقياً كبيراً ظلّت الدولة تسعى إلى معالجته مؤسساتياً في العقود التالية.
المراجع الموثوقة
1. John
Waterbury, *The Commander of the Faithful: The Moroccan Political Elite—A Study
in Segmented Politics*, Columbia University Press, 1970.
2. Stephen O.
Hughes, *Morocco Under King Hassan*, Ithaca Press, 2001.
3. Susan Gilson
Miller, *A History of Modern Morocco*, Cambridge University Press, 2013.
4. «FRUS»
(Foreign Relations of the United States), 1969–1976, Vol. E-5, Docs. 116–117 (مذكرات حول انقلاب الصخيرات، يوليو 1971).
5. Encyclopaedia
Britannica, “Hassan II” (مدخل يتناول محاولات 1971 و1972).
6. Conseil
National des Droits de l’Homme (CNDH), *Instance Équité et Réconciliation –
Synthèse du rapport final* (2005).
7. Wikipedia (مدخلا “1971 Moroccan coup attempt” و“1972 Moroccan coup attempt”)، للاطلاع على الوقائع الأساسية.
روابط إلى مكتبات رقمية
* [Internet
Archive – Morocco Under King Hassan](https://archive.org)
* [Google Books
– The Commander of the Faithful](https://books.google.com)
* [Cambridge
University Press – A History of Modern Morocco](https://www.cambridge.org)
* [Office of the
Historian – FRUS Docs 1969–1976](https://history.state.gov)
* [CNDH –
Rapport final IER](https://www.cndh.org.ma)
0 التعليقات:
إرسال تعليق