تُعد سنة 1961 منعطفا فارقا في التاريخ السياسي الحديث للمغرب. ففي 26 فبراير توفي الملك محمد الخامس، رمز الاستقلال وباني أسس الدولة الوطنية الحديثة، تاركاً خلفه إرثاً سياسياً ثقيلاً، ومجتمعاً في طور التشكل بعد تجربة الاستعمار والحماية الفرنسية والإسبانية. بعد وفاته، انتقلت السلطة شرعيا إلى ولي عهده الحسن الثاني، الذي سيطبع الحياة السياسية المغربية لعقود لاحقة بطابع خاص يجمع بين الطموح إلى بناء دولة قوية مركزية وبين إدارة توازنات دقيقة مع القوى السياسية والاجتماعية.
شكلت وفاة محمد الخامس
صدمة للمغاربة، إذ ارتبطت شخصيته برحلة الكفاح ضد الاستعمار، وبشرعية الدولة الوطنية
بعد الاستقلال (1956). فالمغاربة رأوا فيه "أب الأمة" ورمزاً للتلاحم الوطني
الذي تجاوز الخلافات الحزبية والقبلية. لقد مثّل محمد الخامس عامل وفاق بين النخب الوطنية
التقليدية (حزب الاستقلال) والتيارات اليسارية الصاعدة، وكذلك بين المؤسسة الملكية
والشارع الشعبي، وهو ما منح الدولة المغربية الناشئة شرعية متينة في سنواتها الأولى.
السياق السياسي عند
انتقال العرش
عشية 1961، كان المغرب
قد دخل مرحلة دقيقة:
الصراعات الحزبية:
تصاعد الخلاف بين حزب الاستقلال من جهة، والتيار اليساري الجديد الذي سيؤسس لاحقاً
"الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" سنة 1959.
التوترات الاجتماعية:
شهدت سنوات ما بعد الاستقلال موجات من الإضرابات العمالية والطلابية، تعبيراً عن مطالب
اجتماعية واقتصادية لم تجد استجابة سريعة من الدولة.
الإرث الاستعماري:
لا تزال فرنسا وإسبانيا تحتفظان بمصالح واسعة في الاقتصاد المغربي، إلى جانب قضية استرجاع
الأراضي المحتلة مثل سبتة ومليلية والصحراء.
هذا الوضع جعل انتقال
العرش إلى الحسن الثاني بداية مرحلة جديدة من إعادة رسم التوازنات الداخلية والخارجية.
في 3 مارس 1961 جرى
تنصيب الحسن الثاني ملكاً للمغرب، وهو شاب في الثانية والثلاثين من عمره، متخرج من
المعاهد الفرنسية وذو تكوين عسكري وسياسي متين. منذ البداية أظهر إرادة قوية في ترك
بصمته الخاصة، مختلفة عن والده. فقد كان يميل إلى المركزية السياسية وفرض هيبة الدولة،
مع اعتماد سياسة أكثر براغماتية في مواجهة المعارضة الداخلية والتحديات الخارجية.
التوجهات السياسية
الأولى
إعادة هيكلة الدولة:
بدأ الحسن الثاني في تركيز السلطة الملكية، مع السعي إلى صياغة دستور 1962 الذي كرس
الملكية الدستورية كنظام سياسي، لكنه أعطى صلاحيات واسعة للملك.
التعامل مع المعارضة:
في البداية اتسمت علاقته مع المعارضة اليسارية بالشد والجذب، حيث حاول إدماجها عبر
قنوات دستورية، لكنه في الوقت ذاته لم يتردد في استعمال أدوات الضغط والمراقبة.
السياسة الخارجية:
واصل نهج والده في تعزيز علاقات المغرب مع العالم العربي وأفريقيا، مع الانفتاح على
الغرب، خاصة فرنسا والولايات المتحدة. في هذه المرحلة بدأت ملامح السياسة الخارجية
المتوازنة التي ستطبع حكمه لاحقاً.
الأبعاد التاريخية
والسياسية
وفاة محمد الخامس وتولي
الحسن الثاني العرش شكل لحظة انتقالية بين مرحلة التأسيس ومرحلة البناء الصلب للدولة
الحديثة:
مرحلة محمد الخامس
ارتبطت بالشرعية التاريخية والنضال الوطني.
مرحلة الحسن الثاني
ستطبعها الدولة المركزية، والمؤسسات الدستورية، والصراعات السياسية التي ستؤدي إلى
محطات كبرى مثل حالة الاستثناء (1965) وبروز المعارضة القوية.
يمكن القول إن سنة
1961 جسّدت بداية "الزمن السياسي الجديد" في المغرب. فالحسن الثاني لم يكتف
بوارث رمزية والده، بل سعى إلى إرساء ملكية قوية قادرة على مواجهة تحديات الداخل والخارج.
لكن هذا التحول حمل معه توترات: فقد بدأت المعارضة تعتبر أن المشروع السياسي للملك
يميل إلى الهيمنة أكثر من المشاركة، فيما كان النظام يرى في ذلك ضرورة لحماية وحدة
الدولة وتماسكها. هذه الجدلية بين المركزية الملكية والمعارضة الديمقراطية ستشكل محور
الحياة السياسية المغربية للعقود التالية.
إن حدث وفاة الملك
محمد الخامس عام 1961 كان لحظة تأسيس ثانية للدولة المغربية المستقلة. وفاة محمد الخامس
أنهت مرحلة الشرعية الكاريزمية المرتبطة بالمقاومة والاستقلال، فيما دشن الحسن الثاني
مرحلة الدولة المؤسساتية، وإن ظلت محكومة بتوترات بنيوية بين الدولة والمجتمع. هذه
المرحلة ستؤثر بعمق في تاريخ المغرب اللاحق، إذ أرست قواعد الملكية التنفيذية القوية،
وفتحت الباب أمام صراعات سياسية واجتماعية ستستمر حتى نهاية القرن العشرين.
المراجع والمصادر
عبد الله العروي، مجمل
تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1996.
جون واتربوري، أمير
المؤمنين: الملكية والنخبة السياسية المغربية، دار نشر Le Seuil، باريس، 1970 (ترجمة عربية).
محمد ضريف، الحياة
السياسية في المغرب: من الاستقلال إلى اليوم، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2004.
إدموند بورك، تاريخ
المغرب في القرن العشرين، مطبعة جامعة كامبريدج، 1998.
علي أومليل، الإصلاحية
العربية والدولة الوطنية، المركز الثقافي العربي، 1985.
روابط لمكتبات رقمية
المكتبة الرقمية للمركز
الثقافي العربي
مكتبة إفريقيا الشرق
Cambridge
University Press – History of Morocco
يتبع
0 التعليقات:
إرسال تعليق