الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أغسطس 01، 2025

زوكربيرغ يكشف رؤيته لـ"الذكاء الخارق": هل نحن على أعتاب عصر ما بعد البشر؟ ترجمة عبده حقي


خرج مارك زوكربيرغ، مؤسس شركة "ميتا" فيسبوك سابقًا، بتصريح لافت كشف فيه عن رؤيته الجريئة لتطوير ما أسماه "الذكاء الخارق " (Superintelligence)، أي الذكاء الاصطناعي الذي يتجاوز قدرات الإنسان العقلية في معظم أو جميع المجالات. لم يكن هذا التصريح مجرد عرض تقني، بل كان بمثابة إعلان طموح لعصر جديد من الحوسبة، تقوده "ميتا" عبر وحدتها المتقدمة "Meta AI".

في كلماته، تحدث زوكربيرغ بثقة عن نية شركته بناء أكثر نماذج الذكاء الاصطناعي تقدمًا على وجه الأرض، مشيرًا إلى أن هذا المشروع سيتطلب موارد ضخمة من الحوسبة والتدريب، مع التركيز على دمج النماذج اللغوية العملاقة في منتجات ميتا، مثل تطبيقات WhatsApp، Messenger، Instagram، وRay-Ban Meta smart glasses. لكنّ الأهم من كل ذلك، هو تأكيده على أن الخطوة التالية ليست مجرد تقليد العقل البشري، بل تخطيه.

ماذا يعني "الذكاء الخارق"؟

المصطلح "Superintelligence"، الذي صاغه الباحث البريطاني نِك بوستروم في كتابه الشهير "Superintelligence: Paths, Dangers, Strategies"الذكاء الخارق: المسارات، المخاطر، الاستراتيجيات"،" يشير إلى مرحلة قد تصل فيها أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى مستوى يفوق أعظم العقول البشرية في الابتكار، الحكمة، والتخطيط طويل المدى. وقد حذر بوستروم من أن مثل هذه المرحلة قد تكون محفوفة بالمخاطر ما لم تُدار بشكل حذر وأخلاقي.

زوكربيرغ، بدوره، لا يرى هذه المخاوف كمبرر للتباطؤ، بل كدعوة للقيادة. إذ قال في منشور حديث له:

"نحن الآن في المرحلة التي لم نعد فيها نسعى فقط إلى الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، بل إلى ما هو أبعد من ذلك."

الصراع الخفي: ميتا تدخل المعركة الكبرى

منذ إطلاق ChatGPT من قبل OpenAI في نوفمبر 2022، والسباق نحو بناء نماذج أكثر تطورًا لم يتوقف. شركات مثل Google عبر Gemini وAnthropic وxAI

بقيادة إيلون ماسك تخوض صراعًا محتدمًا على الريادة. دخول "ميتا" على هذا الخط ليس جديدًا، لكنها اليوم ترفع سقف التحدي: ليس فقط منافسة، بل تفوق نوعي.

وقد أعلن زوكربيرغ عن خطط لدمج النموذج القادم، Llama 3  وLlama 4، في أجهزة مركزية تعمل بقدرات حوسبية هائلة، تتكون من مئات آلاف وحدات GPU من نوع H100 وB200.  والهدف المعلن: بناء نموذج "فائق" مفتوح المصدر. هذه الخطوة وحدها قد تُحدث تحولًا في موازين القوى داخل منظومة الذكاء الاصطناعي العالمي.

الذكاء الخارق والبعد الفلسفي: هل نحن مستعدون؟

تكمن المعضلة الكبرى ليس في القدرة التقنية، بل في البعد الفلسفي والأخلاقي. فـ"الذكاء الخارق" يُعيد فتح أسئلة عميقة حول تعريف الإنسان، حدود السيطرة، ومستقبل الحضارة. ما الذي سيحدث عندما يصبح للآلة وعي "محتمل" أو قدرة على اتخاذ قرارات أفضل من الإنسان؟ من يضمن ألا تتحول هذه النماذج إلى أدوات سيطرة بدلًا من أدوات تمكين؟

بعض الباحثين، مثل إليزر يودكوفسكي من "معهد أبحاث الآلة الذكية"، يرون أن تطوير الذكاء الخارق دون وجود بنى تحكم صارمة، قد يؤدي إلى فناء البشرية. بينما يرد فريق زوكربيرغ بأن الانفتاح والشفافية، عبر نشر النماذج مفتوحة المصدر، هي السبيل لتحقيق ذكاء يخدم الإنسانية ولا يهددها.

مارك زوكربيرغ بين الطموح والمخاوف

تاريخ مارك زوكربيرغ مع التكنولوجيا طموح، لكنه ليس خاليًا من الجدل. فقد تعرض لانتقادات شديدة بسبب سياسات الخصوصية والرقابة في "فيسبوك"، ومع إطلاق مشروع الميتافيرس، طُرحت تساؤلات حول طبيعة الواقع الذي يريد أن يخلقه. واليوم، يبدو أن رهانه الجديد على "الذكاء الخارق" يطمح إلى ما هو أكبر من ميتافيرس: هندسة عقل يتجاوز البشر.

لكن، من جهة أخرى، فإن إشراف شركات خاصة على تطوير تقنيات بهذه الخطورة يثير قلقًا مشروعًا. من يراقب؟ من يضع القواعد؟ وهل سيبقى الإنسان في قلب هذه الثورة، أم أنه سيتحول إلى مشاهد في رواية تُكتب دون علمه؟

نحو مستقبل مفتوح.. ومفتوح على كل الاحتمالات

ختامًا، رؤية مارك زوكربيرغ حول "الذكاء الخارق" ليست مجرد تصور مستقبلي، بل مشروع قيد التنفيذ. وهو مشروع قد يغيّر كل شيء: من طريقة تواصلنا، إلى عملنا، إلى إدراكنا لذاتنا البشرية. وبين الحلم والمخاوف، تبقى الأسئلة معلقة: هل سيقود الذكاء الخارق الإنسانية إلى نهضة معرفية غير مسبوقة، أم إلى منعطف قد لا ننجو منه؟ الزمن وحده – ومعه قراراتنا اليوم – سيجيب.

0 التعليقات: