يشكّل الإعلان عن تنظيم مصر لأول معرض مخصص للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وإفريقيا (AI Everything) خلال فبراير 2026، حدثًا يتجاوز بعده التقني إلى رهانات استراتيجية أوسع. فالمعرض، الذي تنظمه مجموعة GITEX Global بالشراكة مع هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ITIDA)، يأتي في لحظة فارقة حيث أضحى الذكاء الاصطناعي أداة لإعادة رسم التوازنات الاقتصادية والجيوسياسية على المستويين الإقليمي والدولي. هذه الورقة تسعى إلى تحليل أبعاد هذا الحدث في ضوء ثلاثة مستويات مترابطة: الاقتصادي، التكنولوجي، والسياسي.
تسعى مصر، من خلال
استضافة هذا المعرض، إلى تعزيز موقعها في الاقتصاد الرقمي العالمي عبر استقطاب استثمارات
أجنبية مباشرة. فبحسب البيان الرسمي، سيشارك في الحدث أكثر من 200 مستثمر من صناديق
رأس المال المخاطر المرتبطة بشبكة GITEX. هذا الحضور لا يقتصر على ضخ السيولة المالية في السوق المصرية، بل يشير
إلى إمكانية إدماج الشركات الناشئة المصرية في منظومات استثمارية عابرة للحدود.
الذكاء الاصطناعي،
في هذا السياق، لا يُنظر إليه كتقنية مستقلة، بل كرافعة لإعادة هيكلة قطاعات أساسية
مثل الصحة، التعليم، النقل، والصناعة. وتبرز هنا أهمية ربط الحدث بمشروع بناء
"اقتصاد رقمي تنافسي وشامل"، كما أكّد وزير الاتصالات المصري عمرو طلعت،
وهو تصريح يعكس التقاء البعد الاقتصادي بالبعد التنموي.
منذ عقدين تقريبًا،
ظلّت المنطقة العربية –إلى حد كبير– مستهلكة للتكنولوجيا أكثر من كونها منتجة لها.
غير أن استضافة حدث إقليمي بهذا الحجم تمثل محاولة للخروج من دائرة التلقي إلى فضاء
المشاركة الفاعلة في صناعة المعرفة الرقمية.
القضايا التي سيتناولها
المعرض، مثل النماذج اللغوية العملاقة (LLM)، التعلم الآلي (Machine Learning)، الحوسبة السحابية (Cloud Computing)، والذكاء الاصطناعي للأشياء (AIoT)، ليست مجرد موضوعات تقنية؛
بل هي حقول معرفية تُعيد تعريف موازين القوى بين الدول. فالقدرة على تطوير نماذج لغوية
خاصة بالمنطقة –على سبيل المثال– ترتبط مباشرة بمسألة السيادة الرقمية والقدرة على
التحكم في تدفقات البيانات بلغاتها وسياقاتها المحلية.
هنا يبرز التحدي: هل
ستظل مصر (وباقي المنطقة) مجرد فضاء لاستعراض الابتكارات العالمية، أم أنها ستنجح في
تحويل هذا الحدث إلى منصة لإنتاج المعرفة وتطوير نماذج محلية قادرة على المنافسة؟
لا يمكن فصل المعرض
عن رهانات السياسة الإقليمية. إذ يُنظر إلى استضافة مصر لهذا الحدث كخطوة استراتيجية
لترسيخ موقعها كمركز إقليمي للذكاء الاصطناعي. فكما أشار رئيس ITIDA أحمد الزاهر، يعد المعرض "مرحلة استراتيجية
في مهمة تعزيز مكانة مصر كقطب للابتكار".
إن هذا الأمر يتجاوز
حدود التكنولوجيا ليصبح جزءًا من بناء قوة ناعمة رقمية، حيث تُستثمر هذه المنصات لإعادة
صياغة صورة الدولة كمركز للتحديث والابتكار. وفي الوقت نفسه، يحمل المعرض أبعاد قوة
صلبة، إذ يتيح للقاهرة دخول سباق عالمي حول تقنيات ستحدد مستقبل الأمن السيبراني، إدارة
البيانات، والحروب المعلوماتية.
من زاوية جيوسياسية،
يعكس هذا التوجه تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى ملف استراتيجي تتقاطع فيه مصالح الدول
الكبرى مع القوى الإقليمية. وإذا كانت دبي قد نجحت عبر GITEX في فرض
نفسها كبوابة عالمية للابتكار، فإن القاهرة تراهن من خلال
AI Everything على لعب الدور نفسه على مستوى القارة الإفريقية،
بما يمنحها موقعًا تفاوضيًا أفضل في علاقاتها الدولية.
يُمكن القول إن استضافة
مصر لأول معرض إقليمي للذكاء الاصطناعي هو إعلان عن دخول المنطقة العربية والإفريقية
سباقًا عالميًا محمومًا نحو قيادة المستقبل الرقمي. التحدي الأكبر يظل في قدرة مصر
على تحويل هذا الحدث من مجرد منصة للعرض إلى مشروع مستدام لبناء بنية تحتية معرفية،
واقتصاد رقمي تنافسي، وسيادة رقمية قادرة على حماية المصالح الوطنية.
إن المعرض، بما يحمله
من زخم اقتصادي وتكنولوجي وسياسي، يطرح سؤالًا استراتيجيًا: هل ستكون مصر لاعبًا فاعلًا
في صياغة مستقبل الذكاء الاصطناعي، أم مجرد محطة عبور لموجة ابتكارات عالمية عابرة؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق