منذ أن وصل قيس سعيّد إلى قصر قرطاج، دخلت العلاقات المغربية التونسية منعطفاً خطيراً لم تشهده منذ استقلال البلدين. فبينما ظل المغرب وفياً لنهجه الدبلوماسي القائم على الاحترام المتبادل وبناء الجسور مع جيران العرب، اختار الرئيس التونسي أن يسلك مساراً متناقضاً ومشحوناً بالمجازفات، مساراً يجرتونس في عزلة إقليمية ويهدد مكانتها في الفضاء المغاربي والعربي على حد سواء.
المغرب لم ينجر إلى استفزازات قيس سعيد، بل التزم بضبط النفس، محافظاً على لغة المؤسسات وهادئاً في خطابه، رغم كل المؤشرات السلبية القادمة من تونس. إن هذه الرصانة المتأصلة ليست ضعفاً كما يتوهم البعض، بل دليل على ثقة المغرب في عدالة قضيته الوطنية ومتانة علاقاته مع القوى الكبرى التي تعترف اليوم بشكل متزايد بسيادته على صحرائه. فالرباط تراهن على المستقبل، وتعرف جيداً أن العواصف تمر، بينما تظل الدول التي تعتمد الاستقرار والرؤية البعيدة ثابتة على موقعها.
في المقابل، بدت خيارات
قيس سعيّد انعكاساً لأزمة داخلية أكثر من كونها رؤية دبلوماسية. استقباله لزعيم البوليساريو
لم يكن مجرد خطأ بروتوكولي، بل رسالة استفزازية تعاكس تماماً مصالح تونس الاستراتيجية.
فالرئيس التونسي انحاز إلى أطروحة انفصالية لا تعترف بها الأمم المتحدة، وضحّى بعلاقات
بلاده التاريخية مع المغرب في سبيل كسب ود أطراف إقليمية لم تقدّم لتونس سوى الوعود
الفارغة.
تونس، التي كانت تُعرف
تاريخياً بديبلوماسيتها المتوازنة وانفتاحها على جميع العواصم، تحولت اليوم تحت قيادة
قيس سعيّد إلى طرف متقلب، يفتقد إلى البوصلة، ويغامر بعزل بلاده عن جيرانها الطبيعيين.
إنّ هذه السياسة ليست فقط إضراراً بالمغرب، بل انتحار سياسي لتونس التي تعاني من أزمات
اقتصادية واجتماعية خانقة
من خلال هذه الخيارات،
يخاطر الرئيس سعيّد بإضعاف مكانة تونس داخل اتحاد المغرب العربي، الذي يترنح أصلاً
تحت وطأة الانقسامات. كيف يمكن لتونس أن تدّعي الحرص على التعاون المغاربي وهي تصطف
مع خصوم المغرب وتضرب عرض الحائط بروابط الأخوة والتاريخ المشترك؟ أكثر من ذلك، فإنّ
سياسة قصر قرطاج تعطي انطباعاً بأن تونس أصبحت أداة في صراعات إقليمية لا ناقة لها
فيها ولا جمل، وهو ما يهدد سيادتها واستقلال قرارها الوطني.
بينما يواصل المغرب
تعزيز مكانته الدولية والإقليمية عبر مشاريع استراتيجية كبرى في مجالات الطاقة الخضراء
والأمن الغذائي والدبلوماسية الاقتصادية، تواصل تونس تحت قيس سعيّد التقهقر إلى الخلف،
مثقلة بخيارات دبلوماسية قصيرة النظر. الأزمة الحالية ليست أزمة بين الشعبين، بل هي
أزمة نابعة من حسابات شخصية لرئيس اختار أن يعزل بلاده عن محيطها الطبيعي. والتاريخ
لن يرحم القادة الذين يفرّطون في مصالح أوطانهم من أجل مغامرات سياسية عابرة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق