أعاد الحكم الصادر بحق الناشطة المغربية ابتسام لشكر، بالسجن ثلاثين شهرًا وغرامة مالية قدرها 5500 دولار، الجدل المحتدم حول موقع حرية التعبير في السياق المغربي، بل وفي العالم العربي عامة. القضية لم تقتصر على واقعة ارتداء قميص أثار حفيظة قطاعات واسعة من الرأي العام، بل كشفت عن عمق الإشكالية التي تضع الفرد بين خيارين متناقضين: ممارسة الحق في التعبير عن قناعاته الشخصية أو الاصطدام بجدار "حماية المقدسات".
ابتسام لشكر ليست شخصية
عابرة في المشهد الحقوقي المغربي؛ فهي إحدى مؤسسات حركة "مالي" التي لطالما
رفعت سقف مطالبها في الدفاع عن الحريات الفردية، بما في ذلك حرية الاعتقاد والضمير.
ظهورها الأخير مرتدية قميصًا كتب عليه بالإنجليزية عبارة تمس الذات الإلهية، جاء ضمن
موقفها المعلن ضد ما تعتبره "سلطة الأديان الذكورية". غير أن هذه الجرأة
وضعتها في مواجهة مباشرة مع القضاء والعدالة، الذي حكم عليها بعقوبة سالبة للحرية وغرامة
مالية، مستندًا إلى مواد القانون الجنائي التي تجرّم "ازدراء الإسلام".
إن الحكم الصادر يعكس
طبيعة التوازنات داخل المجتمع المغربي. فمن جهة، هناك توجه رسمي يسعى إلى إبراز صورة
بلد منفتح يحترم التعددية الفكرية والدينية، ومن جهة أخرى، هناك ثوابت دستورية وقانونية
تمنح مكانة خاصة للإسلام كدين للدولة. هذا التوتر يضع القضاة أمام معادلة صعبة: كيف
يمكن حماية حرية التعبير، وهي حق يكفله الدستور والمواثيق الدولية، مع ضمان عدم المساس
بما يعتبره المجتمع "خطًا أحمر"؟
القضية تكتسب بعدًا
عالميًا إذا ما نظرنا إليها في إطار أوسع. إن قوانين "ازدراء الأديان" أو
"إهانة المقدسات" ما تزال قائمة في عدد كبير من دول العالم، ليس فقط في العالم
الإسلامي، بل حتى في بعض الديمقراطيات الغربية التي تحتفظ بنصوص قديمة نادرًا ما تطبق.
لكن الفارق يكمن في درجة الحماية الفعلية لحرية التعبير؛ ففي حين تراجع الغرب عن فرض
عقوبات سالبة للحرية في مثل هذه القضايا، ما زالت بلدان أخرى، منها المغرب، تعتبرها
تهديدًا للنظام العام أو اعتداءً على الهوية الجماعية.
إن الحكم الصادر ضد
ابتسام لشكر سيثير، بلا شك، نقاشًا واسعًا بين الحقوقيين والباحثين في القانون والسياسة.
فهل يمثل هذا الحكم انتصارًا للقانون وللرأي العام المحافظ، أم أنه نكسة في مسار طويل
نحو تكريس حرية الاعتقاد والضمير؟ الأرجح أنّه سيعمّق الاستقطاب القائم بين تيارين:
الأول يرى في حرية التعبير شرطًا للتحديث والديمقراطية، والثاني يعتبر أنّ المساس بالمقدسات
يهدد السلم الاجتماعي ويستفز القيم المشتركة.
إن القضية، في جوهرها،
ليست فقط عن قميص مثير للجدل أو عقوبة قضائية؛ بل هي عن الحدود التي يرسمها المجتمع
لنفسه في زمن تتسارع فيه التحولات القيمية. وهي تطرح سؤالاً جوهريًا: هل يمكن التوفيق
بين حرية الفرد المطلقة في التعبير عن ذاته، وبين حاجة الجماعة إلى حماية رموزها الدينية؟
الجواب، على ما يبدو، سيبقى معلقًا بين نصوص قانونية تقيّد، ونزعات فردية تسعى إلى
الانفلات، في انتظار تحول ثقافي عميق يعيد تعريف العلاقة بين الدين، الدولة، والحرية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق