تُمثّل سنة 1979 محطةً مفصلية في تاريخ المغرب السياسي؛ فهي لحظة تراكمت فيها آثار “سنوات الرصاص” مع اهتزازات اجتماعية واقتصادية، وتحوّلات إقليمية مرتبطة بحرب الصحراء، وظهور ديناميات حقوقية داخلية. داخل هذا المخاض، بدأ جزء مهم من اليسار الراديكالي—خصوصاً تيارات 23 مارس وبعض مناضلي إلى الأمام—يراجع أدواته وأساليبه، متجهاً نحو البحث عن إطار قانوني علني ينقل معركته من السرية إلى الفضاء المؤسسي. هذه السيرورة ستبلغ تمامها في مطلع 1983 بإعلان منظمة العمل الديمقراطي الشعبي كواجهة سياسية شرعية، لكنها وُلدت عملياً من رحم نقاشات 1978–1979.
1 سياق 1979: اجتماع الضغوط الاجتماعية والحسابات
السياسية
بين 1977 و1981 شهدت
البلاد موجات احتجاج اجتماعي متصاعدة، تجذّرت في سياق أزمة معيشية وتوتر نقابي. في
الوقت نفسه، صعدت خطابات إسلامية مسيّسة وتأثرت البلاد بمتغيرات إقليمية حادة. تشكيل
حكومة المعطي بوعبيد سنة 1979 كان تعبيراً عن محاولة السلطة إعادة ترتيب الأوراق، بينما
كانت المعارضة التقليدية تعيد صياغة موقعها. في هذا المناخ، بدأ اليسار الراديكالي
يوازن بين كلفة السرية وإمكانات الانتقال إلى شرعيةٍ تسمح بتوسيع التأثير الشعبي والمؤسسي.
على المستوى الحقوقي،
تأسست الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سنة 1979، ما أضاف بُعداً جديداً للنقاش العمومي
وساعد على إدخال خطاب الحريات والعدالة الاجتماعية إلى الساحة السياسية.
2 الجذور التنظيمية والفكرية
انبثقت منظمة العمل
الديمقراطي الشعبي من تيارات ماركسية-لينينية سابقة، أبرزها 23 مارس وإلى الأمام، التي
تعرضت لضربات قاسية خلال منتصف السبعينيات. مع نهاية العقد، دفعت المراجعات الفكرية
نحو بناء إطار علني يستبقي الروح النقدية لكن داخل المؤسسات، بدل الارتهان الدائم للعمل
السري. بداية الثمانينيات ستشهد عودة قيادات من المنفى وتهدئة نسبية في القبضة الأمنية،
مما سمح بتجسيد هذا الانتقال رسمياً سنة 1983 بقيادة محمد بنسعيد آيت إيدر.
1979 كعتبة سياسية
أهمية هذه السنة لا
تكمن في الإعلان الرسمي للمنظمة، بل في التحوّل السياسي والفكري الذي عرفه اليسار الراديكالي.
فقد برزت الحاجة إلى إطار قانوني قادر على تمثيل القاعدة الاجتماعية المتنامية، مستفيداً
من نشوء قنوات حقوقية ومدنية جديدة، ومن ضغط الحرب في الصحراء على الدولة والمجتمع.
كان السؤال المركزي: كيف يتحوّل الرصيد النضالي إلى عرضٍ سياسيٍّ شرعي له قدرة تفاوض
داخل المؤسسات؟
4) هوية المنظمة وخطابها
تشكلت المنظمة من خليط
أجيال: مناضلون تاريخيون، وطلاب ونقابيون وحقوقيون. مرجعياً، انتقلت من قاموس “الثورة
الاجتماعية” إلى خطاب “الديمقراطية الاجتماعية” مع احتفاظها بحدة نقدية تجاه بنية السلطة.
سياسياً، دخلت غمار الانتخابات وحصلت على تمثيل برلماني، مما مكّنها من إدخال قضايا
حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية إلى قلب المؤسسة التشريعية. في ما بعد، ستلعب أدواراً
مهمة في المعارضة، وتساهم في مسارات الاندماج التي ستؤدي إلى تأسيس الحزب الاشتراكي
الموحد.
5) أثر التحول دخول اليسار الراديكالي إلى الشرعية الحزبية
أحدث نقلة نوعية على عدة مستويات:
إدماج الخبرة النضالية
داخل المؤسسات: ما سمح بتحويل ملفات مثل التعذيب والاعتقال السياسي إلى أسئلة مؤسساتية.
تعزيز اللغة الحقوقية:
ما أدى إلى تقاطع أكبر بين الحركات الحقوقية والحقل الحزبي.
إعادة هندسة المعارضة:
حيث برز صوت نقدي مبدئي على يسار الأحزاب التقليدية، يذكّر بالمطالب الإصلاحية العميقة.
6) حدود التجربة
واجهت المنظمة صعوبات
مرتبطة بضعف الموارد التنظيمية، والانقسامات الداخلية، وبنية انتخابية غير متكافئة.
كما كان تمثيلها محدوداً، لكنها احتفظت بقيمتها الرمزية كواجهة نقدية داخل الشرعية،
وقدمت نموذجاً سياسياً ثالثاً بين السرية والتوافق.
خاتمة
يحمل عام 1979 معنى
تأسيسياً في مسار اليسار المغربي، إذ مثّل بداية الخروج من السرية نحو التفكير في العمل
العلني الشرعي. أما 1983، فكان لحظة تقنين هذا التحول بولادة منظمة العمل الديمقراطي
الشعبي. التجربة أسست لتقاليد نقدية داخل الحقل الحزبي وأسهمت في ترسيخ الخطاب الحقوقي،
حتى وإن ظل تمثيلها الانتخابي محدوداً.
المراجع والمصادر
مركز تافرا – بطاقة
حزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي (OADP).
الموقع الرسمي للمملكة
المغربية – بوابة الأحزاب: OADP.
صفحة الحزب الاشتراكي
الموحد – الجذور التاريخية لـ OADP.
Jean-Claude
Santucci, Le multipartisme marocain entre les contraintes…, REMMM (2006).
Politique et
mouvements sociaux au Maroc (Cairn/SHS).
مدخل 23 Mars (خلفية تاريخية وتنظيمية).
مدخل Ila al-Amam (التاريخ التنظيمي).
سيرة محمد بنسعيد آيت
إيدر – موسوعات وسير رسمية.
ويكيبيديا العربية
والفرنسية – مداخل عن OADP وتاريخها.
Que sont les
militants de gauche devenus…, Journal des Anthropologues (2021).
روابط رقمية
بطاقة OADP على موقع تافرا
الجذور التاريخية لـ OADP على موقع الحزب الاشتراكي الموحد
دراسة Santucci 2006 على OpenEdition
كتاب Politique et
mouvements sociaux au Maroc على
Cairn
مدخل حركة 23 مارس
على ويكيبيديا
مدخل إلى الأمام على
ويكيبيديا
0 التعليقات:
إرسال تعليق