شكّل يوم 27 فبراير 1976 ذروة طورٍ انتقالي بدأ مع رأي محكمة العدل الدولية في أكتوبر 1975، ومرّ عبر «اتفاق مدريد» الذي أنهى الوجود الإسباني وأعاد توزيع الإدارة بين المغرب وموريتانيا، ليُتوَّج بإعلان جبهة البوليساريو قيام «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» من بئر لحلو بدعمٍ سياسي ولوجستي جزائري، وما تلاه مباشرة من انفجارٍ عسكري واسع على جبهاتٍ عدّة. بهذا الإعلان انتقلت قضية الصحراء المغربية من ملف تصفية استعمارٍ متفاوض عليه إلى نزاعٍ دولي ذي أذرع إقليمية واضحة وحدودٍ دامية.
لقد أسَّس رأي محكمة
العدل الدولية عام 1975 الإطار القانوني الأولي: لا توجد «روابط سيادة إقليمية» بين
الإقليم وكلٍّ من المغرب وموريتانيا، بل هناك روابط بيعة وولاء تاريخية مع جل القبائل.
ثم جاء «اتفاق مدريد» في نوفمبر 1975 لينقل السلطة الإدارية إلى المغرب وموريتانيا
دون أن يمسّ وضعية الإقليم كأرضٍ غير متمتعة بالحكم الذاتي في نظر الأمم المتحدة. وقد
مهّد ذلك لإطلاق سباق نحو ملء «الفراغ الإداري» الذي خلّفه انسحاب إسبانيا.
جاء إعلان «الجمهورية
الصحراوية» في 27 فبراير 1976، غداة اكتمال الانسحاب الإسباني، كأداة سياسية لمراكمة
«شرعية تمثيل» على قاعدة حرب العصابات وبناء إدارة في المنفى بمخيمات تندوف، مع إبقاء
العيون «عاصمةً قانونية» مُعلَنة. ومع أنّ الإعلان منح البوليساريو عنواناً دولياً
للتحرّك الدبلوماسي، فإن الاعتراف الدولي ظلّ متذبذباً، بينما ترسّخ حضور التنظيم في
المخيمات داخل الجزائر.
لقد تحوّل موقف الجزائر
بعد انسحاب إسبانيا من الحياد النسبي إلى دعمٍ مباشر، ففتحت أراضيها للمخيمات والقواعد
الخلفية، وقدّمت الدعم العسكري والمالي. هذا الانخراط رفع منسوب العسكرة على حدودٍ
لم تُحسَم بعد، ورسّخ تندوف كجغرافيا سياسية ولاجئين كركيزة في موازين النزاع.
عام الانفجار العسكري
شهد عام 1976 انتقال
النزاع إلى طورٍ دموي مباشر:
معركتا أمݣالة في يناير
وفبراير أبرزتا حجم الانخراط الجزائري المباشر في الصراع.
غارة نواكشوط في يونيو
1976 عكست قدرة البوليساريو على فتح جبهات جديدة، وأسفرت عن مقتل مؤسسها الولي مصطفى
السيد، ما عجّل بانهاك موريتانيا وأدى لاحقاً إلى انسحابها من النزاع عام 1979.
في المقابل، تبنّى
المغرب معادلة الإمساك بالمراكز الحضرية وبالممرات الاستراتيجية، وهو خيار سيجد تجسيده
لاحقاً في بناء «الجدار الرملي» خلال الثمانينيات لتقييد تحركات البوليساريو.
التدويل المؤسسي
بدأت منذ تلك اللحظة
مسارات التدويل: اعترفت منظمة الوحدة الإفريقية بعضوية «الجمهورية الصحراوية» سنة
1984، مما دفع المغرب إلى الانسحاب من المنظمة حتى عودته إلى الاتحاد الإفريقي عام
2017. كما اعتمدت الأمم المتحدة البوليساريو ممثلاً للشعب الصحراوي، قبل أن تُبرم سنة
1991 اتفاق وقف إطلاق النار وإنشاء بعثة «المينورسو» بهدف التحضير لاستفتاء لم ولن
يرَ النور في المستقبل
التداعيات الإقليمية
والإنسانية
أدى إعلان 1976 إلى
رفع الكلفة السياسية على العواصم المغاربية. دخل المغرب والجزائر في قطيعة دبلوماسية
ترافقت مع طرد جماعي للمغاربة من الجزائر نهاية 1975، وبرزت مسألة اللاجئين في تندوف
كأطول حالات اللجوء عمراً في المنطقة. كما تبلورت ثنائية «مركز حضري آمن/هامش قتالي
مفتوح» التي حكمت المعادلة العسكرية لعقود.
لقد كان عام 1976 نقطة
تحوّل حاسمة، لأنه رسّخ ثنائية الشرعية: إعلان «الجمهورية الصحراوية» مقابل سياسة
«الإدماج المغربي». كما نقل الجزائر من «فاعل داعم» إلى «بيئة حاضنة» بمستوى استراتيجي
مباشر، وأسس لمسار تدويلٍ طويل أفضى إلى وقف إطلاق نار بلا تسوية نهائية. بهذا المعنى،
يبقى صدى 1976 حيّاً في كل جولة دبلوماسية أو مواجهة ميدانية تتعلق بالصحراء
المغربية.
المراجع والمصادر
محكمة العدل الدولية،
الرأي الاستشاري في قضية الصحراء الغربية (1975).
اتفاق مدريد (14 نوفمبر
1975)، نص المعاهدة في سلسلة معاهدات الأمم المتحدة.
رأي المستشار القانوني
للأمم المتحدة (هانس كوريل) بشأن الوضع القانوني و«اتفاق مدريد»، 2002.
قرار مجلس الأمن
690 (1991) حول إنشاء بعثة المينورسو.
نص إعلان «الجمهورية
الصحراوية» (بئر لحلو، 27 فبراير 1976).
توثيق معارك أمݣالة (1976).
تفاصيل غارة نواكشوط
(1976) ومقتل الولي مصطفى السيد.
وثائق منظمة الوحدة
الإفريقية حول عضوية «الجمهورية الصحراوية» وانسحاب المغرب.
تقارير الأمم المتحدة
حول اللاجئين الصحراويين في تندوف.
Zunes, Stephen
& Mundy, Jacob. Western Sahara: War, Nationalism, and Conflict Irresolution
(2010/2022).
Hodges, Tony.
Western Sahara: The Roots of a Desert War (1983).
روابط لمكتبات رقمية
محكمة العدل الدولية
– ملف قضية الصحراء
نص اتفاق مدريد – سلسلة
معاهدات الأمم المتحدة
قرار مجلس الأمن
690 (1991) – بعثة المينورسو
Oxford Public
International Law – مدخل الصحراء
الغربية
Google Books –
Hodges: Western Sahara: The Roots of a Desert War
JSTOR – Zunes
& Mundy, Western Sahara
0 التعليقات:
إرسال تعليق