الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، سبتمبر 02، 2025

"حين تتحول الفلسفة إلى قصة للجميع: كتاب جديد يكسر جدار النخبوية" ترجمة عبده حقي


هل يمكن أن يجتمع اسم نجم أفلام مثيرة، وحكاية امرأة متحولة جنسياً، وأكاذيب حكومة كبرى في عمل واحد؟ يبدو الأمر غرائبياً، لكنه اليوم واقع بين دفّتي كتاب صدر حديثاً عن دار لاروس المرموقة. كتاب أراده مؤلفه أن يكون أكثر من مجرد نص أكاديمي جاف، بل تجربة فكرية سلسة، تجمع بين السرد القصصي وروح الفلسفة، وتفتح أبوابها على مصراعيها أمام القرّاء من مختلف الخلفيات.

بعد سنوات من تساؤلات جمهوره: "متى ستكتب كتاباً؟"، جاءت الإجابة أخيراً ثمرة عمل طويل في الصياغة والإخراج الفني. من غلاف أنيق بطيّات جانبية، إلى تصميم داخلي مريح للقراءة، كل تفصيل صُمم ليجعل الكتاب قطعة فكرية جميلة يسهل اقتناؤها وتبادلها كهدية.

الفلسفة هنا ليست حكراً على الأكاديميين. فقد أراد الكاتب أن يثبت أن الفكر العميق يمكن أن يكون ممتعاً وقريباً، فجمع في صفحاته مقدمات قصصية طريفة أو صادمة تسبق عرض أفكار عشرين فيلسوفاً، من ديكارت إلى سيمون دو بوفوار، ومن فرويد إلى حنّة آرندت. كل فصل يفتتح بحكاية من الحياة اليومية أو من الأخبار الغريبة، ثم يربطها بالتصورات الفلسفية الكبرى: الشك عند ديكارت، مقولة بوفوار الشهيرة "لا تولد المرأة امرأة بل تُصبح كذلك"، هواجس فرويد حول الرغبة واللاوعي، وسخرية ديوجين التي لا تزال حاضرة في عصرنا.

المثير في هذا العمل أنّه لا يكرر ما قدّمه الكاتب عبر قناته المرئية التي يتابعه منها الآلاف، بل يقدم مادة جديدة، وأسماء لم يتطرق إليها سابقاً مثل هيباتيا الإسكندرانية أو آين راند. والغاية واضحة: جعل الفلسفة مادة حيوية، تختلط بالقصص، وتغدو أقرب إلى دليل عملي لفهم العالم، لا درساً ثقيلاً في قاعة جامعية.

لكن الكتاب لا يقتصر على استعراض الأفكار، بل يحمل في مقدمته جانباً شخصياً. يروي المؤلف طفولته المتواضعة، وارتباطه المبكر بموسوعات لاروس التي كانت نافذته الأولى على المعرفة. أن يرى كتابه اليوم مطبوعاً تحت نفس العلامة، يعدّه لحظة فخر لا تقل عن أي إنجاز فكري.

وبينما يشجع القراء على اقتنائه من المكتبات الكبرى أو عبر المنصات الرقمية، يلحّ على أمر مهم: تقييم الكتاب ومشاركته. فالنجاح في زمن الطوفان الرقمي لا يتحقق فقط بجودة المحتوى، بل أيضاً بقوة القراء الذين يؤمنون بفكرته. لهذا يدعو جمهوره إلى أن يكونوا شركاء في جعل هذا العمل مرجعاً أولياً في تبسيط الفلسفة.

الرسالة الأعمق التي يسعى الكتاب لترسيخها هي أن الفلسفة ليست ترفاً، ولا خطاباً مغلقاً على نخبة محدودة. إنها أداة لفهم الذات والآخر، مرآة تكشف زيف الخطاب السياسي كما تضيء تعقيدات الرغبة الإنسانية. لذلك، يقدمه المؤلف بوصفه هدية فكرية تصلح للجميع: من المراهق الباحث عن معنى، إلى القارئ المتمرس الذي يريد زاوية نظر جديدة.

في النهاية، لا يقدم هذا الكتاب نفسه كبديل عن المناهج الفلسفية التقليدية، بل كجسر يصل بين الفكر الصارم والحياة اليومية. جسر قد يعبره قارئ بدافع الفضول، فيجد نفسه وقد انخرط في حوار قديم-جديد مع سقراط وسبينوزا ونيتشه.

إنه كتاب يعلن بوضوح: الفلسفة لم تعد ملكاً للنخبة وحدها… إنها قصتنا جميعاً.

0 التعليقات: