الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، سبتمبر 01، 2025

الذكاء الاصطناعي وتأثيره في فقدان الوظائف: عبده حقي

 


أكتب هذه الكلمات وأنا أستحضر الجدل العالمي المتصاعد حول الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد صار قوة جذرية تعيد تشكيل علاقتنا بالعمل، بالإنتاج، وبالمستقبل. ففي كل مرة يذكر فيها مصطلح "الأتمتة"، يتبادر إلى الذهن سؤال قلق: هل سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فقدان وظائفنا، أم أنه سيفتح أمامنا آفاقاً جديدة لم نكن نتخيلها؟

بين الخوف والفرص

يخبرنا التاريخ أن كل ثورة صناعية سببت صدمات في سوق العمل. فاختراع الآلة البخارية في القرن الثامن عشر، أو الحاسوب في القرن العشرين، ارتبط بخوف من البطالة، لكنه في النهاية خلق وظائف جديدة لم تكن موجودة من قبل. الذكاء الاصطناعي اليوم يكرر السيناريو، ولكن بوتيرة أسرع وبمدى أوسع. تقارير البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية تشير إلى أن ما بين 40% و60% من الوظائف التقليدية معرضة للاستبدال أو التحول بفعل الذكاء الاصطناعي، خصوصاً في مجالات مثل النقل، المحاسبة، وخدمات الزبائن.

القطاعات الأكثر عرضة للخطر

بعض المهن التي تعتمد على المهام الروتينية والمتكررة ستكون أولى الضحايا:

  • خدمات الزبائن: روبوتات المحادثة قادرة على الرد على آلاف الاستفسارات في وقت واحد.

  • النقل: السيارات الذاتية القيادة تهدد ملايين سائقي الشاحنات وسيارات الأجرة.

  • الإنتاج الصناعي: الروبوتات المؤتمتة تتفوق في الدقة والسرعة.

لكن الصورة ليست قاتمة بالكامل، إذ أن قطاعات أخرى ستستفيد من طفرة الذكاء الاصطناعي، مثل تحليل البيانات، الأمن السيبراني، تصميم الأنظمة الذكية، والتعليم الرقمي.

الفرص الجديدة

الذكاء الاصطناعي لا يحذف الوظائف فقط، بل يعيد صياغتها. سيحتاج العالم إلى متخصصين في:

  • إدارة الخوارزميات وتدريب النماذج.

  • أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لضبط التوازن بين الكفاءة وحماية القيم الإنسانية.

  • التعليم المستمر: حيث يصبح التدريب مدى الحياة ضرورة للبقاء في سوق العمل.

وقد أشار تقرير World Economic Forum (2023) إلى أن الذكاء الاصطناعي سيخلق نحو 97 مليون وظيفة جديدة بحلول 2030، في مقابل فقدان ملايين أخرى.

التحديات الاجتماعية والأخلاقية

وراء هذه التحولات، تقف أسئلة وجودية: كيف يمكن حماية الفئات الضعيفة من الإقصاء الرقمي؟ هل ستعمّق الأتمتة الهوة بين الشمال والجنوب؟ وكيف نمنع الشركات العملاقة من احتكار مستقبل العمل؟ هنا يبرز دور الحكومات في تبني سياسات استباقية، مثل فرض ضرائب على الروبوتات كما اقترح بيل غيتس، أو الاستثمار في شبكات أمان اجتماعي.

أمامنا مشهد مزدوج: تهديد حقيقي لملايين الوظائف، وفرص هائلة لإعادة ابتكار العمل ذاته. نحن أمام لحظة تاريخية شبيهة بما وصفه شومبيتر بـ "التدمير الخلاق": حيث ينهار القديم ليفسح المجال للجديد. التحدي ليس في منع الذكاء الاصطناعي من التوسع، بل في كيفية إدارة هذا التحول بما يخدم الإنسان ويصون كرامته. فالمستقبل لن يكون ملكاً للآلة وحدها، بل لأولئك الذين يحسنون التكيف، التعلم، وإعادة اختراع ذواتهم في عالم يتغير بسرعة الضوء.


0 التعليقات: