مرة أخرى، يطلّ علينا مرض "المغربوفوبيا" في الجزائر في أبشع صوره: تحريض أعمى، تشويه مجاني، ومطاردة فنان شاب لمجرد أنه تجرأ على الرقص في كليب مع فنان مغربي. وكأن الوطنية تقاس بالرقصات، وكأن حب الجزائر يثبت بمنع التواصل مع المغاربة!
الفنان الجزائري محمد حسني، الذي صنع اسمه بجهده وموهبته منذ 2013، وجد نفسه في قلب محكمة افتراضية نصّب فيها بعض "المهووسين بالكراهية" أنفسهم قضاة وجلادين. والسبب؟ ظهوره في كليب للرابر المغربي دراجانوف، حيث جلس هذا الأخير على كراسٍ بينما قدّم حسني رقصة شعبية. لحظة فنية عادية، حوّلها البعض إلى "خيانة وطنية" و"إهانة للجزائر"!
أي عقلية هذه التي
ترى في مشهد فني بريء مؤامرة سياسية؟ إنها عقلية مأزومة، تعيش على تغذية الكراهية،
وتبحث في كل إيماءة أو صورة عن ذريعة لإشعال الفتن. إنهم نفس المهووسين الذين يحلمون
بحرب عبثية وصبيانية بين المغرب والجزائر، ويتمنون نزيف دماء الأخوة، فقط ليبرروا فشلهم
وحقدهم. هؤلاء ليسوا سوى تجار أزمات، يغذون وهم "العزة الوطنية" بالكذب والافتراء.
محمد حسني لم يرتكب
جريمة. لم يوجّه إهانة، لم يرفع شعاراً سياسياً، لم يهاجم بلاده. كل ما فعله هو أنه
جسّد بفنه تكاملاً طبيعياً بين موسيقى مغربية متأثرة بالراي الجزائري ورقص شعبي جزائري
يحمل علامات الفرح. لكن في عيون مرضى المغربوفوبيا، تحوّل ذلك إلى رقصة "إذلال".
أي وطنية هذه التي ترى الإبداع خيانة، والفن خطراً، والتعاون مع الأشقاء مؤامرة؟ إنها
ليست وطنية، بل هستيريا جماعية.
الأدهى أن الحملة لم
تتوقف عند حدود السخرية. بل تحولت إلى مطالبات رسمية: إسقاط صفة "فنان" عن
حسني، طرده من التلفزيون، منعه من دخول الجزائر، بل وتهديده بالمحاكمة! هذه ليست غيرة
ولا نقداً فنياً، بل اغتيال معنوي منظم، هدفه إسكات كل صوت يحاول أن يمد جسراً مع المغرب.
إنها عقلية بوليسية تجرّم حتى الابتسامة المشتركة.
الحقيقة التي يهرب
منها هؤلاء واضحة: نجاح الكليب وانتشاره فضح هشاشة خطاب الكراهية. ملايين المشاهدات
في المغرب والجزائر معاً أكدت أن الجمهور العريض لا تهمه هذه التفاهات، بل يبحث عن
الفن والبهجة. الجمهور يصفّق للإبداع، بينما "كهنة الكراهية" يغرقون في غيظهم،
عاجزين عن منع التواصل الثقافي بين الشعبين.
إن محمد حسني اليوم
ضحية، لكن غداً قد يكون أي فنان آخر. لأن الهدف ليس حسني وحده، بل كل جسور قد تربط
بين الجزائر والمغرب. كل عمل مشترك يذكّر أن الشعبين وجهان لعملة واحدة، يصبح خطراً
على أجندة صانعي الأزمات.
فلنسمّ الأشياء بأسمائها:
هذه ليست غيرة وطنية، بل كراهية مريضة. ليست دفاعاً عن الجزائر، بل إساءة إليها. فالوطن
القوي لا يخاف من أغنية، ولا يرتعد من رقصة. إن الذين يهاجمون حسني اليوم، هم أنفسهم
الذين يصفقون للخراب غداً. والتاريخ سيحكم عليهم كما يستحقون: مجرد أصوات نشاز، انتهت
في مزبلة الذاكرة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق