منذ بداية القرن الحادي والعشرين، بدأ الباحث الأميركي جيمس بول جيج في إعادة النظر في مكانة ألعاب الفيديو، كوسائط معرفية وثقافية تحمل إمكانيات هائلة في التعلم والتربية. وقد قدّم في كتابه الشهير رؤية رائدة تعتبر الألعاب فضاءً جديدًا للقراءة والكتابة، بل وأفقًا مغايرًا لفهم الأدب التفاعلي في سياق الرقمنة.
الفكرة الأساسية التي بنى عليها جيج دراسته تقوم على أن الألعاب الإلكترونية تعمل كنظم تعليمية متكاملة. فهي تُشرك اللاعب في عملية اكتشاف، تجريب، وخوض تحديات متدرجة، ما يخلق تجربة تعليمية شبيهة بما يحلم به التربويون داخل المدارس. في فضاء اللعبة يتقمص اللاعب هوية جديدة، يخوض مغامرات، يتعلم من الفشل أكثر مما يتعلم من النجاح، ويستعين بموارد داخلية وخارجية لفك شفرات العالم الافتراضي.
إذا كان الأدب التقليدي
يقوم على نص ثابت يتلقاه القارئ بشكل أحادي، فإن الأدب التفاعلي يضيف بعدًا جديدًا
يتمثل في إشراك القارئ في صياغة النص أو مساره. ومن هذا المنطلق يرى جيج أن ألعاب الفيديو
تنتمي إلى هذا الحقل، لأنها لا تكتفي بسرد القصة وإنما تضع اللاعب في قلبها، تمنحه
خيارات ومسارات، وتدعوه للمشاركة في تشكيل هويته داخل النص الرقمي. وهكذا يصبح الأدب
هنا ممارسة متعددة الوسائط: نص، صورة، صوت، حركة، وتفاعل حي.
أهمية هذه الرؤية تكمن
في أنها توسع مفهوم القراءة والكتابة ليشمل مهارات تفسير الرموز، التفاعل مع الوسائط
المختلفة، وتنمية التفكير النقدي والإبداعي. كما أنها تدعو إلى إصلاح جذري في طرق التدريس،
عبر الاستفادة من آليات الألعاب: التعلم بالممارسة، التشويق، الانخراط الفعلي، وجعل
المتعلم شريكًا نشطًا لا متلقيًا سلبيًا.
مع ذلك، لا تخلو هذه
المقاربة من بعض الثغرات. فهي أحيانًا تميل إلى المثالية من خلال التركيز على “الألعاب
الجيدة” التي تحقق مبادئ التعلم، متجاهلةً أن كثيرًا من الألعاب قد لا تفي بهذا الشرط،
أو قد تحمل مضامين غير ملائمة ثقافيًا أو تربويًا. كما أن تطبيق هذه المبادئ داخل المؤسسات
التعليمية يظل صعبًا أمام قيود المناهج والموارد، إضافة إلى التباين الكبير في تقبّل
المعلمين لمثل هذه الوسائط.
إن مساهمة جيمس بول
جيج لا تكمن فقط في قراءة الألعاب الرقمية كأدوات تعليمية، بل في إرساء أساس فكري يسمح
بدمجها ضمن مفهوم الأدب التفاعلي. فهي نصوص حيّة تتحرك مع القارئ/اللاعب، وتفتح أمامه
فضاءات جديدة لتجربة الهوية، وإعادة تعريف العلاقة بين النص والمتلقي. وبينما تظل التحديات
قائمة في تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس، يبقى الكتاب علامة فارقة في الدراسات الثقافية
والتربوية، ودعوة جريئة إلى التفكير في الأدب والمعرفة خارج الأطر التقليدية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق