في الأيام الأخيرة من سبتمبر 2025، عادت وكالة أنباء البوليساريو (واص) لتكرار أسطوانتها الدعائية القديمة. فقد نشرت تقارير عن لقاء المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستيفان دي ميستورا، مع بعض ممثلي ما تسميه "الشباب الصحراوي"، كما أوردت خبراً آخر عن استقبال زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي للمبعوث ذاته. وكالعادة، حرصت هذه الوكالة على تضخيم المشهد وتقديمه وكأنه انتصار دبلوماسي جديد لكيان لا وجود قانونياً له في الأمم المتحدة ولا اعتراف دولياً به سوى من قلة هامشية.
لكن القراءة المتأنية
لهذه التحركات تكشف حقيقتين أساسيتين. أولاً، أن لقاءات دي ميستورا تدخل في إطار مهمته
الأممية للاستماع إلى جميع الأطراف، دون أن تعني اعترافاً بشرعية من يستقبلونه. وثانياً،
أن المغرب، وهو الطرف الجاد الوحيد في هذا النزاع المفتعل، ما يزال ثابتاً في موقفه
الذي يجد صداه لدى المنتظم الدولي: مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتبارها
الحل الواقعي والعملي الوحيد.
تعمد وكالة "واص"
إلى استعمال لغة حماسية لتضليل الرأي العام في مخيمات تندوف، حيث يعيش آلاف المحتجزين
منذ عقود. فهي تتحدث عن "ممثلي الشباب" وكأنهم منتخبون ديمقراطياً، بينما
يعرف العالم أن المخيمات تخضع لسيطرة عسكرية خانقة. كما تُبرز تصريحات إبراهيم غالي،
المطلوب لدى القضاء الإسباني بتهم خطيرة، وكأنها موقف "جمهوري" معترف به،
بينما الواقع أنه زعيم ميليشيا تستمد وجودها من رعاية الجزائر ودعمها المالي والعسكري.
في المقابل، يواصل
المغرب التعبير بوضوح عن التزامه بالحل السلمي تحت رعاية الأمم المتحدة، دون أي خروج
عن الشرعية الدولية. وقد أكدت أكثر من 100 دولة دعمها لمغربية الصحراء بشكل صريح، عبر
فتح قنصليات في مدينتي العيون والداخلة أو عبر تأييد الحكم الذاتي كقاعدة للتسوية.
هذه الدينامية الدبلوماسية تقابلها عزلة متزايدة للبوليساريو، التي لم تعد تجد سوى
منابرها الدعائية لترويج خطاب متجاوز.
المبعوث الشخصي، دي
ميستورا، ليس في موقع "التحكيم"، بل في مهمة استماع وتجميع للآراء. وكل جولاته
السابقة أثبتت أن الحل خارج مبادرة الحكم الذاتي غير ممكن ولا واقعي. إن اللقاءات التي
تعلن عنها "واص" ليست سوى محاولات لتثبيت أوهام الانتصار الداخلي، بينما
تقارير الأمم المتحدة نفسها تظل دقيقة في وصف النزاع: صراع إقليمي لا يمكن حله إلا
عبر حل سياسي واقعي وعملي ودائم، وهي نفس الصيغة التي تتبناها قرارات مجلس الأمن المتتالية.
بينما تواصل الدعاية
الانفصالية التعلق بأوهام الماضي، يمضي المغرب بثقة في تكريس تنمية أقاليمه الجنوبية
واستقطاب الاستثمارات الدولية، فضلاً عن بناء شراكات إفريقية وأوروبية تعزز موقعه كقوة
إقليمية وفاعل استراتيجي.
هكذا يتضح أن أخبار
استقبال دي ميستورا في "الشهيد الحافظ" ليست سوى زوبعة إعلامية في فنجان،
في حين أن الواقع السياسي والدبلوماسي يسير في اتجاه واحد: الاعتراف المتزايد بمغربية
الصحراء وانتصار خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد يضمن الاستقرار والتنمية
في المنطقة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق