الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، سبتمبر 12، 2025

هل يمكن الاعتماد على ChatGPT ورفاقه؟


تتصدر روبوتات المحادثة العاملة بالذكاء الاصطناعي المشهد الرقمي العالمي، بعدما باتت أسماء مثل ChatGPT وCopilot وPerplexity  حاضرة في الجامعات وغرف التحرير وحتى في المكاتب الإدارية. غير أن هذا الانتشار الكاسح صار يرافقه سؤال يفرض نفسه: إلى أي حد يمكن لهذه الأدوات أن تكون جديرة بالثقة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالمعرفة الدقيقة أو المعلومات الحساسة؟

من يتابع هذه النماذج يلاحظ أنها تجيد الإقناع أكثر مما تجيد الحقيقة. فالإجابات غالباً ما تأتي بلغة واثقة ومنسقة، لكنها قد تحتوي على معلومات غير دقيقة أو حتى مختلقة بالكامل. هذه الظاهرة، التي اصطلح على تسميتها بـ"الهلاوس"، تضع المستخدم أمام معضلة مزدوجة: كيف يميز بين المعلومة الصحيحة والزائفة حين تقدم له الآلة الجواب بنفس الدرجة من الثقة؟

ليست كل الروبوتات على نفس المستوى. بعض المنصات يظهر أداءً أفضل في صياغة النصوص الإبداعية أو تلخيص المواد الطويلة، بينما يتراجع أداؤها في المهمات الأكثر تقنية مثل توفير المراجع الأكاديمية أو الأرقام الدقيقة. وحتى داخل المنصة نفسها، يختلف مستوى الدقة بحسب نوع المهمة: فالتعامل مع موضوع أدبي ليس كالخوض في قضية سياسية آنية أو بحث علمي معقد.

أكثر ما يثير القلق هو ميل هذه النماذج إلى تقديم أجوبة سريعة عن ملفات شائكة مثل الأزمات الدولية أو المستجدات السياسية. وهنا يصبح خطر التضليل مضاعفاً، لأن المعلومة المغلوطة لا تبقى في دائرة الاستخدام الفردي، بل قد تتحول إلى مادة إعلامية أو رأي عام يتشكل على أساس بيانات غير دقيقة.

ما تقدمه هذه الأدوات يمكن أن يكون نعمة حين يُستخدم كوسيلة مساعدة أولية، لكنه يتحول إلى نقمة إذا ما استُخدم كبديل كامل للبحث الصحفي أو الأكاديمي. في غرف الأخبار مثلاً، يمكن أن يوفر وقتاً في إعداد المسودات أو جمع الأفكار، لكنه لا يعفي الصحفي من العودة إلى المصادر الميدانية أو الوثائق الرسمية. نفس الأمر ينطبق على الباحثين، حيث يمكن للأداة أن تفتح مسارات جديدة في البحث، لكنها لا تحل محل العمل العلمي الرصين.

في النهاية، تبدو الحقيقة واضحة: الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس سلطة معرفية مطلقة، بل مجرد أداة متطورة تحتاج إلى عين ناقدة ويد خبيرة. استخدامه بوعي نقدي، مع إدراك حدوده ومخاطره، هو السبيل الوحيد لضمان أن يبقى في خدمة الإنسان لا العكس.

0 التعليقات: