تعيش قضية الصحراء المغربية هذه الأيام مرحلة حاسمة في تاريخها الطويل داخل أروقة الأمم المتحدة، بعدما أعلنت الولايات المتحدة بوضوح موقفها الداعم لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره الحلّ الواقعي والنهائي للنزاع المفتعل.
إن هذا التحرك الأميركي في مجلس الأمن يشكل تحوّلًا استراتيجيًّا في مسار القضية، ويعكس اقتناعًا دوليًّا متزايدًا بعدم جدوى أطروحة الانفصال، التي ظلت الجزائر تروّج لها لخمسة عقود عبر واجهتها الانفصالية "البوليساريو".
في نيويورك، بدا واضحًا
أنّ النقاش الأممي حول مشروع القرار الجديد يسير في اتجاه الاعتراف بالجهود المغربية
الجادة وذات المصداقية. فالمبادرة المغربية التي قدّمت منذ سنة 2007 لم تعد مجرّد مقترح
من بين مقترحات، بل تحوّلت إلى مرجعية سياسية وأممية يجد فيها المجتمع الدولي المخرج
الوحيد الممكن لإنهاء نزاع عمره نصف قرن. ولعلّ الدبلوماسية المغربية، بتوجيهات الملك
محمد السادس، قد نجحت في تثبيت هذا التحوّل عبر العمل الهادئ، والبراغماتية السياسية،
والتحالفات المتنامية مع قوى دولية وإفريقية وعربية مؤثرة.
ويُنتظر أن يصدر مجلس
الأمن غذا الثلاثين من أكتوبر قرارًا جديدًا يؤكد على دعم مسار الحكم الذاتي، ويشيد
بجهود المغرب في تنمية أقاليمه الجنوبية وتعزيز الاستقرار في المنطقة. هذا القرار المرتقب
سيكرس مرة أخرى تفوق المقاربة المغربية القائمة على الواقعية والشرعية، وسيضع الجزائر
أمام مأزق سياسي ودبلوماسي متزايد، بعدما فقدت أطروحتها الانفصالية الكثير من أنصارها
التقليديين.
في المقابل، تواصل
الرباط حصد مكاسب جديدة على الصعيد الدولي، حيث أعلنت باراغواي مؤخرًا نيتها فتح قنصلية
عامة لها في مدينة الداخلة، لتنضم إلى قائمة متنامية من الدول الإفريقية والعربية والأمريكية
اللاتينية التي فتحت تمثيلياتها الدبلوماسية في الأقاليم الجنوبية. إنّ هذا القرار
السيادي من دولة بعيدة جغرافيًّا كدولة باراغواي يؤكد أن الاعتراف بسيادة المغرب على
صحرائه لم يعد محصورًا في دائرة الجوار الإقليمي، بل أصبح توجّهًا دوليًّا متسعًا يقوم
على قناعة بأنّ الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب المغربي.
ولا يقف الدعم عند
البعد السياسي فقط، بل يمتدّ إلى الميدان الاقتصادي، حيث شجعت الولايات المتحدة وشركاؤها
الغربيون الاستثمارات في الأقاليم الجنوبية، معتبرين أن التنمية المستدامة هي الوجه
العملي للحل السياسي. وقد تحوّلت مدن العيون والداخلة والسمارة إلى مراكز جذب اقتصادي
واستثماري، خاصة في مجالات الطاقات المتجددة والصيد البحري واللوجستيك، مما جعل الحكم
الذاتي في بعده التنموي واقعًا ملموسًا أكثر من كونه مشروعًا على الورق.
أما الجزائر، فقد وجدت
نفسها اليوم في عزلة سياسية خانقة. فخطابها المتشنج داخل الأمم المتحدة لم يعد يجد
آذانًا صاغية، ومحاولاتها المستمرة لتدويل الأزمة تحت غطاء الدفاع عن "حق تقرير
المصير" باتت مكشوفة بوصفها وسيلة للمناورة وليس مبدأً صادقًا. إنّ المجتمع الدولي
بات يدرك أنّ الجزائر ليست طرفًا محايدًا، بل هي أصل المشكلة ومصدر استمرارها، وأن
الحل الحقيقي يكمن في الانخراط البنّاء في مبادرة الحكم الذاتي بدل إدامة صراع عقيم
يعرقل التكامل المغاربي ويهدّد أمن المنطقة.
كما تراقب بعض العواصم
الغربية، مثل لندن وواشنطن، بحذر النشاطات الإيرانية في شمال إفريقيا ومحاولات طهران
التمدد عبر دعم حركات مسلحة بالمنطقة. وتعتبر هذه التحركات تهديدًا مباشرًا لاستقرار
منطقة الساحل والصحراء التي تلعب فيها المملكة المغربية دورًا محوريًّا في مكافحة الإرهاب
والتطرف، ما يجعل الرباط شريكًا استراتيجيًّا لا غنى عنه في المعادلة الأمنية الإقليمية.
من هنا يمكن القول
إنّ ما يجري اليوم داخل مجلس الأمن ليس مجرد نقاش حول قضية محلية، بل هو إعادة رسم
لتوازنات جيوسياسية جديدة في شمال إفريقيا. فالمغرب الذي أثبت قدرته على الدمج بين
الدبلوماسية التنموية والشرعية القانونية يجد نفسه في موقع قيادي متقدم، بينما تتراجع
الأطروحات الانفصالية إلى الهامش بفعل افتقادها لأي سند واقعي أو قانوني.
إنّ الإجماع الدولي
المتنامي حول الحل المغربي لا يعكس فقط نجاح الدبلوماسية الملكية في فرض منطق الواقعية،
بل يؤكد أيضًا أنّ المجتمع الدولي بات مقتنعًا بأنّ استقرار المغرب هو ركيزة استقرار
المنطقة كلها. فالاستثمارات الكبرى، والانفتاح السياسي، والإصلاحات الحقوقية التي تشهدها
المملكة تُقدّم نموذجًا مغاربيًّا جديدًا يجمع بين التنمية والسيادة والوحدة الترابية.
وفي هذا السياق، فإنّ
الحلّ النهائي لن يكون سوى من خلال تفعيل مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية
الكاملة، باعتبارها الضامن الوحيد لكرامة السكان الصحراويين وتنميتهم داخل وطنهم الأم،
ووسيلة لإنهاء أحد أقدم النزاعات في القارة الإفريقية. لقد أثبتت التجربة أنّ المغرب
لا يسعى إلى الهيمنة بل إلى بناء نموذج جهوي ديمقراطي مندمج، تُمارس فيه الأقاليم الجنوبية
صلاحياتها المحلية في إطار دولة موحدة ومتماسكة.
إنّ هذه المرحلة الدقيقة
تمثل لحظة حسم تاريخية، حيث يقف المغرب بثقة وصلابة أمام العالم، مدافعًا عن وحدته
الترابية، ومؤمنًا بأنّ العدالة والشرعية في صفه، وأنّ المستقبل لن يكون إلا لصوت العقل
والحكمة. فالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لم يعد شعارًا سياسيًّا، بل أصبح مشروعًا
واقعيًّا يجد يومًا بعد آخر تأييدًا دوليًّا متزايدًا، ليؤكد للعالم أنّ الصحراء كانت
وستظل مغربية إلى الأبد.
إعداد: عبده حقي








0 التعليقات:
إرسال تعليق